٦. أنت جميلة | يوميات حب XL

يومياتي 🌟 :

كنتُ أقضي العطلة مع زوجي وأبنائي في أحد الفنادق بأنطاليا في تركيا، وقررتُ أن أحصل على جلسة مساج لإراحة أعصابي، والتخلص من آلام ظهري المزمنة، قمتُ بحجز مسبق، ثم تجهزت ونزلت الى قسم السبا بالفندق، وعندما وصلتُ الى هناك، كانت المسؤولة عند الاستقبال تستقبلني بابتسامة عذبة. أخبرتها عن حجزي، فبدأت تراجع الحجوزات أمام شاشتها، وأنا أشغل نفسي بالنظر الى الكتالوجات الموجودة أمامي، نظرت إلي متابعة ابتسامتها: نعم يوجد حجز لكِ، ثم تابعت تعرض علي الحصول على جلسة تنظيف بشرة بالإضافة الى المساج، سألتها ما جلسات التنظيف المتوفرة لديكم، أشارت إلي بشكل عملي: يوجد لدينا تقنيات خاصة يمكنك التخلص مثلا من البقع الموجودة على وجهك بنسبة 80 بالمئة!.. نظرتُ إليها بدهشة.. يا إلهي كيف التقطت البقيعات الصغيرة على وجهي!!.. رفضتُ عرضها بكياسة، مفضلة الاكتفاء بمساج مريح، وتابعت خطواتي بلا مبالاة باتجاه قسم المساج!

لو أنني قابلتُ تلك السيدة قبل سنوات من الان، لربما من فاجعتي أخذتُ من عندها “باكيج” كامل من جلسات التنظيف وتحسين البشرة، أو لربما ارتبكت، وغمرني القلق والانزعاج من مظهر وجهي المبقع، ولأخذت طوال جلسة المساج أفكر في كيفية متابعة حياتي على مضض وأنا أملك وجها لاحظت فيه امرأة أخرى بقيعات ثلاث!! لكني عوضاً عن التفكير والقلق والانزعاج، “تجاوزتُ” تعليقها تماماً، وركزت فكري فقط في الاستمتاع بساعة كاملة من المساج المريح.

هذه اللحظة بالذات.. عندما أعيد لأتذكرها، يمر شريط طويل من الذكريات أمامي، ذكريات وجهي الملتصق أمام المرآة منذ سنوات المراهقة، أحسب عدد الرؤوس السوداء، وحبات الشباب، ومقدار التجعيدات التي “ستظهر” حول عيناي، ولأعيد حسابات السنتيمترات المحيطة بخصري، شكل أظافري، عدد شعيرات رموشي، طريقة لفة حجابي، شكل فستاني أو تسريحة شعري.. بالساعات!

هل مرّ بك هذا السيناريو من قبل؟

تقضين باعاً لا بأس به من عمرك وأنتِ مهووسة بشيء اسمه “وزني”، تنامين وتصحين وانت تفكرين في عدد الكيلوات التي ازددتها او فقدتها، تعيشين بائسة عندما يزداد وزنك، تقلقين من مستقبل أسود مجهول تعانين فيه من جميع المشاكل الصحية وتقلص أعداد ثيابك الملائمة والتعليقات الانتقادية من الاخرين لك، بسبب هذه الزيادة الوزنية، وعلى النقيض، تطيرين فوراً إلى الداون تاون ومولات المدينة لتشتري بشراهة ما تصل إليه يداك من آخر صيحات الموضة لتكافئي نفسك وتزوري نصف أهل البلد لتتمخطري أمامهم بمقاساتك وانحاناءاتك الجديدة بعدما تخلصتِ بالعافية من بضع كيلوجرامات.. ما تلبث أن تعود من جديد وتحتل مكانها “المفضل” في جسدك.. للأسف!

أو تنظرين لجسدك أمام المرآة بحسرة.. آخ لو أن هذه المنطقة طويلة.. لو هذه الحتة صغيرة.. لو هذه الأخت كبيرة.. لو هذه الست منفوخة!!😂

ويمضي يومك وأنتِ في تركيز تاااام، وأفأفة مطلقة.. من شكل تلك المنطقة في جسدك، وتلك الزيادة في وزنك، وتتمنين لو أنك تخلعين جلدك وتستعيرين جلدا خالصاً نقياً مفصلاً على قدك.. تستمتعين بارتدائه ولو ليوم واحد!

هل مرّ بك ايضا ذاك السيناريو أعلاه؟

شكلي شكلي شكلي.. مشكلة الفتيات الأزلية..

ولا ألوم الفتيات.. فهي قضية حاسمة تقتضيها المرحلة..

لكنها مع مرور السنوات.. ما تلبث أن تضاف إليها “ملفات” قضايا أخرى تتعلق بـ “نواقصي”..

أنا انطوائية.. انا غبية.. أنا عصبية.. أنا مجنونة.. أنا متسرعة.. أنا هبلة وبسيطة وينضحك عليا.. أنا لا أعرف كيف أمشي.. أنا لا أعرف كيف أبتسم.. لا استطيع الحوار.. لا أفهم على الناس.. لا أستطيع التركيز.. لا استطيع الدراسة.. لا استطيع بدء مشروع.. لا استطيع عقد صداقات.. لا استطيع بدء محادثة.. لا أعرف كيف أطبخ.. ولا حتى انظف أو أرتب.. لا استطيع جذب زوجي.. لا استطيع تربية أطفال.. لا استطيع ممارسة بالأمومة.. لا استطيع الاستمتاع بالحياة .. لا أعرف كيف أهتم بنفسي!!!!!!!!

ويستمر سيناريو انتقادك لنفسك.. وسلخك لذاتك.. من أيام مراهقتك.. وحتى…… قراءتك لهذه التدوينة  😉
أتعرفين أن تمييزك لانتقاد الناس.. أسهل.. بمراحل.. من تمييزك لانتقاد نفسك.. والتفكير في عيوبها ونواقصها 24 ساعة؟! ربما لأنك تعيشين “داخل” صورة مشاكل شكلك ونواقص شخصيتك 24 ساعة، فلا تخرجين من الصورة أبداً.. لترين الحالة التي أنتِ عليها في الحقيقة !!

بينما من الخارج.. من السهل التقاط نواقص الآخرين وعيوبهم، وإلقاء مقذوفاتك الكلامية عليهم لانتقادهم او الانتقاص منهم..!

والأمر الذي يثير الدهشة، أنك قد تعلمين تماماً، مدى تأثير كلماتك السلبية عليهم، وكيف انك تصيبين هدفك في تنكيد وتعكير مزاجهم وجرح مشاعرهم..

في حين أنك قد لا تعلمين تأثير “أفكارك” و “حواراتك الداخلية” التي تجلد ذاتك.. على نفسك!!!!

لقد تعلمتُ.. بالطريقة الأصعب.. قاعدة ذهبية، استغرقني الأمر سنوات، لأفهمها، وأطبقها، وأجعلها أسلوب حياة:

التركيز على نقاط القوة.. قوة
والتركيز على نقاط الضعف.. ضعف

عندما كنتُ في أواخر العشرينيات من عمري، مقبلة على دخول مرحلة الثلاثين، كنتُ دائما أشعر بخوف ورهبة وحتى ألم وأسى.. أنني سأدخل هذه المرحلة، ويتردد في صدى ذهني تلك الجملة من احدى الدعايات التلفزيونية (جملة انتقادية لا شعورية للاسف): “ودخلنا بالتلاتين.. وياويلي من التلاتين..”

ودخلتُ الثلاثين.. وكانت من أجمل سنوات عمري… التي اكتشفتُ فيها وتعلمتُ فيها ما لا يمكن لي أن أتعلمه في عشرينياتي..
ومع مرور السنوات، يزحف لديكِ  هذا الإحساس.. أو اليقين.. بأن الأجمل لم يحدث بعد.. وأنك كلما تقدمت بك السنوات في عمرك، توسعت لديكِ مدارك وآفاق.. وطمأنينة داخلية.. لا يمكن للسنوات التي مضت أن تمنحك إياها..

تتعلمين أن كل شيء تركزين عليه.. يحتل أكبر أولويات حياتك.. وينعكس على طريقة تفكيرك وتصرفاتك..

وأنك كلما قمتِ بالتركيز على نواقصك ومشاكلك.. زادت حجماً.. وزادت سوءاّ.. وزادت تنكيدا على معيشتك!

تتعلمين ان  Let it go بألا تهتمي لتعليقات الناس او انتقاداتهم لنواقصك، فهي تعكس معتقداتهم، وطريقة تفكيرهم.. والتي لا تتوافق بالضرورة مع معتقداتك وطريقة تفكيرك..

تتعلمين أن جسدك ملكك.. وأن شكلك ملكك.. وصفاتك ملكك.. وأنها unique.. لن تتكرر.. ولا تريدينها أن تتكرر بأن تكوني نسخة من غيرك أو “ما يريده” غيرك!

تتعلمين التعايش داخل عقلك وجسدك، تمدين روحك فيهما بخفة، وتتمطعين داخلهما بكل أريحية ورضا.. وقناعة!

مديرة إحدى المدارس التركية، اسمها نورتان جيجيلي، صديقة قديمة للعائلة، في أواخر خمسينياتها، شعلة متألقة من النشاط والحركة والعطاء، حضورها دوما يذكرني بقوس المطر، وأعتبرها من أبرز قدواتي في الحياة، دوما عندما تخاطبني تقول لي:

خلود يا صغيرتي…… Khulood yavrum

واستغرقتُ وقتاً لأفهم سر خطابها هذا.. انها تعني أنني لم أر شيئا في الحياة بعد، لم أجتز تلك الجماليات التي اجتازتها، لم اختبر تلك التجارب التي اختبرتها، لم أفهم لذة الحياة الجميلة، التي تأتي مع التقدم في العمر..

صدقاً..

كل ما تعيشينه الآن من موج الأفكار الانتقادية والانهزامية التي تتخبط داخل عقلك لحظة استيقاظك من نومك، وحتى لحظة احتضانك لوسادتك، هي بالضبط كأمواج محيط ثائرة في يوم عاصف..

وتحتاجين الى الوقت.. نعم الوقت.. لتتعلمي كيف تزرعين الشمس، وتنفضين الغيوم، وتربتين بأصابعك على تلك الأمواج، لتهدأ، فتظهر لك زرقة المحيط الرائعة! Crystal clear

تتعلمين مع الزمن.. أن كل ما تملكينه هي نقاط قوتك.. هي التي تسعدك.. هي التي تصنعك وتميزك.. والباقي ليس بهذه الضرورة.. ولا بذلك الضرر!!

تتعلمين الاسترخاء.. وأن تتقبلي نفسك كما هي.. وتجبري الناس على أن يتقبلوكِ كما أنتِ.. لأنك متقبلة نفسك ذاتيا!!

يقول الواحد الأحد (فاصفح الصفح الجميل)، (فصبر جميل)، (واهجرهم هجراً جميلاً)، هجر جميل وصفح جميل وصبر جميل، كلها علاجات للغضب وتركه.

أما الصبر الجميل فلا شكوى فيه، وأما الهجر الجميل فلا أذى فيه، وأما الصفح الجميل فلا عتب فيه.

د. عائض القرني – كتاب: لا تغضب

هل جربتِ الصبر الجميل والهجر الجميل والصفح الجميل مع نفسك؟

ان تصبري على نواقصك، فلا تشتكين منها..
وأن تهجري عيوبك، فلا تجعليها تؤذيك..
وأن تصفحي عن شكلك، فتتقبليه كما هو دون عتاب!

يومياتك 🌟 :

اليوم.. انظري للمرأة الواقفة في المرآة أمامك..

تأمليها.. دققي فيها..

اذكري أمامها عيوبك.. نواقصك.. مشاكلك.. واحدة واحدة..

وواحدة واحدة… اصبري الصبر الجميل.. اهجري الهجر الجميل.. واصفحي الصفح الجميل  🙂

ثم احتضني نفسك!

وقولي:

أنتِ جميلة ❤