( ملاحظة : هذه المقالة متوفرة صوتيا على قناة ساوند كلاود على الرابط هنا )
هل سمعتِ عن مصطلح “تأثير الفراشة Butterfly Effect” من قبل؟
إنه يعني ببساطة.. أن تغييرات بسيطة في بداية الأمر.. قد يكون لها تأثير كبير على المدى الطويل..
قيسي على ذلك مثلا.. قرارك بممارسة الرياضة اليوم ولمدة ساعة.. تخيلي جسدك وصحتك بعد عام من الان!
او قرارك بجمع المال من أجل بناء مسجد.. أو مدرسة.. او تشجيعك لمجموعة من النساء حولك على بدء حفظ القرآن الكريم.. لمدة ساعة أسبوعياً.. تخيلي النتيجة بعد عامين.. ثلاثة أعوام من الان!
أو اعكسي ذلك..
بدئك لتناول الحلوى او الشبس كل يوم..
تعنيف أبنائك كل يوم ونعتهم بألفاظ محبطة وسلبية..
أو.. استمرارك في متابعة الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعية لمدة 4 ساعات يومياً دون انتاج حقيقي..
كيف هي النتيجة بعد 10 اعوام من الان؟
تخيلتِ التأثيرات البسيطة.. المتتالية.. وكيف يصبح لها تأثيراً كبيراً وتؤدي الى تغيير حقيقي لاحقاً؟☺
طيب..
أنا اليوم لن أتحدث لك عن هذا الجانب من نظرية “تأثير الفراشة”..
سأتحدث لك عن جانب آخر.. أو زاوية أخرى.. رأيتُها تماماً في موقف حدث لي قبل عدة شهور..
القصة أنني في تسجيلي الجامعي.. كان هناك مساق يقوم بتدريسه أستاذين مختلفين. أحدهما أستاذة أعتبرها قدوة رائعة.. لا بل مُلهمة.. هي من قائمة أفضل من تعلمتُ على يديهم على مدى حياتي الأكاديمية كلها حتى الآن. لذا.. كنتُ أنتظر تسجيلي في مساقها ذاك بفارغ الصبر.
للأسف بسبب نظم وقوانين الجامعة، قام نظام الكمبيوتر بتسجيلي بشكل تلقائي مع الاستاذ الآخر. والسبب؟ الحروف الأولى من اسم عائلتي!
بلعتُ التسجيل على مضض، وحضرتُ للأستاذ الآخر أولى محاضراته.. وكان الأمر صدمة لي.. أشبه بمومياء خرجت من قبرها لتحاضرنا بأسلوب عتيق كئيب.. وبريستيج جامعي يغث النفس.
حضرتُ للأستاذة الأخرى التي أحبها.. بل أعشق أسلوبها.. لعل وعسى.. أجد سبباً واحداً يجعلني أقنع نفسي بأن أتنازل عن أخذ المساق معها.. لكن مرارتي كانت أشد.. فما سأتعلمه معها يفوق الوصف، ويتجاوز بمراحل هائلة عما سأتعلمه مع الاستاذ الكئيب إياه..
طيب أسكت؟ أبداً.. أتنازل؟ نو وي 😣
طقت في راسي أن آخذ المادة مع أستاذتي المفضلة.. ووضعتُ استراتيجية كاملة ما تخرش المية.. وتخيلتُ حواري كاملاً معها.. وأنا أتخيلها مبتسمة.. وتوافق على تسجيلي في مساقها..
قابلتُها.. وكان الحوار بالضبط كما تخيلتُه.. انا أقنعها بأسبابي للحصول على مساقها.. وهي مبتسمة وتستمع لي حتى النهاية..
لكن.. أجابتني بهدوء أنها لا مانع لديها في أن أكون طالبة عندها.. ولكن القوانين هي القوانين. وكون المساق الآخر لا يتضارب مع أي مساق إلزامي آخر، فلا أستطيع تغيير أستاذ المساق!
وخلاص هيك!
طيب أسكت؟ أبداً.. أتنازل؟ لسه بدري 😤
أجبتُها وأنا أقدّر ابتسامتها والتزامها بالقوانين.. بأنني سأقوم بكل ما يلزم لأحصل على المساق معها.. سأرفع الأمر لرئيس الكلية.. ومن بعده لرئيس الجامعة.. سأناضل.. وأكافح.. وأبلبل الكلية.. و….
وكانت دهشتها كبيرة.. لماذا كل هذا؟ انه مجرد مساق!!
رانت لحظة صمت قبل أن أقول لها محاولة أن أبدو متماسكة:
أريد أن أتعلم.. قليل هم من تأثرتُ بأسلوبهم.. وكل من مروا علي في الجامعة.. لن أتذكر اسماءهم بعد 5 سنوات من الآن.. لكن المساق الذي أخذتُه معك قبل عامين.. كنتُ أنتظر كل محاضرة فيه بفارغ الصبر.. وأستمتع بالدقيقة الأخيرة بنفس درجة استمتاعي بالدقيقة الأولى. كان لكِ تأثير كبير في تغيير مفهومي عن العملية التعليمية.. وأنها ليست فقط تلقيناً أو حتى امتحانات. إنما هي متمحورة حولي أنا.. واحتياجاتي أنا.. بأساليب واقعية رائعة!
ابتسمت مجدداً وأجابت: اذن حاولي وتحدثي مع رئيس الكلية فليس باستطاعتي شيء للأسف!
وانتقلتُ للمرحلة الثانية.. أتخيلُ هذه المرة حواراتي مع رئيس الكلية.. أراه مبتسماً متفهماً لقصتي الطويلة حول العملية التعليمية التي تتمحور علي.. ويوافقُ على تغيير أستاذ المساق بالنهاية..
اييييه.. لن أدخلك في تفاصيل (قال يعني.. كل هذا وما أدخلتك 😁)
ولكن ما اكتشفتُه.. أن النساء أكثر تعنُّتاً في اتباع القوانين من الرجال.. خاصة عندما يكون من يجب تطبيق القوانين عليها هي امرأة مثلها.. (حقيقة علمية بالمناسبة 🙂)
رئيس الكلية كان متفهماً.. ورائعاً.. وحمل هم مشكلتي وكأنها قضيته الأولى.. وأخذ يفكر في حل يجعله لا يتضارب مع قرار أستاذة بروفيسورة لها مقامها مثله. ثم تفتق ذهنه أخيراً عن فكرة جهنمية.. قائلاً بأنه حيث الشرط الوحيد للتغيير هو تضارب المساق الذي لا أريده مع أي مساق آخر… فيمكنه أن يسجلني في المساق الذي يدرّسه هو (وهو مساق التخرج على فكرة).. وبذلك يتم التعارض المطلوب.. وبعد شهر.. انسحب من مساقه هو، لأني سآخذه العام القادم على أية حال.. وانتهينا!
الفكرة في حذ ذاتها عبقرية ولم تخطر ببالي بصراحة.. وكنتُ على استعداد لأخذ مساقه حتى النهاية، بدون انسحاب، المهم أن آخذ مساقي الآخر مع الاستاذة التي أريد..
وفي الحال فتح حسابه في مسار التسجيل على كمبيوتره.. ونظر الى عدد الطلبة المسجلين لديه.. كانوا عشرين طالباً.. وهي السعة القصوى لمساقه.. ثم نظر إلي مبتسماً وهو يقول: سأفتح لكِ مقعداً واحداً تسجلين فيه فور فتح توكيد التسجيل الاسبوع القادم.. تمام؟
في هذه اللحظة بالذات.. ورئيس الكلية يضيف المقعد..
جال ببالي في جزء من الثانية.. أنني لن أستطيع حجز هذا المقعد أثناء فترة توكيد التسجيل (Add-Drop Period).. لسبب بسيط. هو أن هذا المساق يتطلب مساقاً آخر قبله (Prerequisite).. وبالتالي فإن نظام التسجيل الجامعي لن يقبلني بتاتاً.. ألبتة.. نهائي… اللهم إلا بلجنة من رئاسة الجامعة نفسها.. تقعد تناقش وتتفلسف على وضعي وحالتي الانسانية.. و…
اممم.. لا نية لي للوصول الى ذلك السيناريو بعد 😕
ولكن..
المدهش في الأمر..
أنني في الجزء الثاني من الثانية.. رأيتُ الموقف بأكمله.. منذ لحظة بداية هذا المقال.. كل الحوارات.. كل المشاعر.. كل الخطوات.. الجدال.. التخيل.. التفكير.. التواصل.. المراسلات.. المقابلات الخ الخ..
كلها كانت من أجل هذه اللحظة.. فتح مقعد إضافي واحد.. سيجلس فيه غيري!!!
نعم..
المقعد لغيري.. ورأيتُ ذلك تماماً في تلك اللحظة..
لا أدري من هو.. ولا مدى حاجته لهذا المساق مع رئيس الكلية..
ولكن بالتأكيد أن الله سبحانه وتعالى دوخني السبع دوخات.. وجعلني أعيش كل تلك اللحظات لأسبوع كامل.. حتى أكون سبباً.. وحيداً.. لفتح هذا المقعد!
لم أفكر كثيراً فيما سيحدث بعدها.. لأنني كنتُ على يقين.. بأن الله سبحانه وتعالى.. الذي جعلني سبباً لأحد ما.. كي أفتح له المقعد.. سييسر لي سبباً آخر.. لفتح مقعد لي.. عند الاستاذة التي أريدها..
كان يكفيني الاهتمام من رئيس الكلية وسعيه لحل مشكلتي.. فلم أكن بالموقف الذي يجعلني أشعره بأن مبادرته هذه لا طائل منها (جبر خواطر يعني😌).
ابتسمتُ له ممتنة. وخرجت.. لأتابع جولة أخرى!
🌟🌟🌟
هل مرت عليكِ لحظة شعرتِ فيها بضآلة الكون.. وأنكِ تنظرين إليه من أعلى.. كيف يدبر الله سبحانه وتعالى فيه أمر النملة السوداء.. على الصخرة الصماء.. في الليلة الظلماء!!
سلسلة لا متناهية.. أشبه بأحجار الدومينو تتلاحق خلف بعضها.. أو مثل كرة ثلج كلما تتدحرجت كبرت..
أو مثل الفراشة.. ضربات أجنحتها.. تغير منظومة كاملة!
ونحن دائما.. وابداً.. نؤدي دورنا في هذه المنظومة.. الكاملة!
قد لا تفهمين دورك في الحياة الآن..
لماذا فشلتُ في هذا الأمر؟
لماذا فعلت لي فلانة هذا؟
لماذا رفض لي فلان ذلك؟
لماذا تغير الامر في آخر لحظة؟
لماذا حصل؟ لماذا صار؟ لماذا قلت؟ لماذا أتبهدل؟ لماذا أفقد؟.. لماذا ولماذا ولماذا؟
يمكنك تخيل الإجابة الآن..
إنك ببساطة.. تفتحين مقعداً لغيرك!
وعندما تحادثني مستشيراتي.. يبكين بحرقة.. حول ما كان.. وما صار.. وليش وكيف.. أحكي لهن قصة المقعد.. وأن ما يحدث حولنا هو سبب.. وأننا أيضا سبب.. كلنا مسخرون لأمر ما.. سواء شئنا أو أبينا.. وأن الله سبحانه وتعالى.. بواسع حكمته.. وشمول عدالته.. يصنع التسلسل الدقيق.. الذي لا تشوبه شائبة.. يسبب الأسباب ليصل الرزق المقسوم للجميع..
كلما حدث معكِ موقفاً.. تذكري.. أنكِ جزء في هذه المنظومة الكاملة.. وأنك قد تكونين سبباً لتغيير حياة شخص ما.. من تصرفك حيال هذا الموقف.. دون أن تدري..
وحتى لو لم يتعلق هذا التأثير بغيرك.. فيكفي أن تأثيره سيكون لكِ.. لصالحك.. شئتِ أم أبيتِ!
يقول النابلسي “أن المؤمنين عندما يلقون الله عز وجل لو علموا ما كان بالمصائب التي أوقعهم بها ليُكفّر عنهم ذنوبهم لذابوا حباً لله عز وجل”
فهمك لهذا الأمر بالذات.. سيجعلك:
أكثر قناعة ورضا..
وأكثر عشقاّ ليد الله في الخفاء..
وأكثر سلاماً مع نفسك..
وأكثر عزماً وإصراراً ويقيناً في حياتك..
لأنه دائماً وأبداً هناك سبب ما.. لسعادتك..
أو سعادة غيرك..
وأنتِ..
كم مقعداً فتحتِ لغيرك؟
شاركينا 😌
(ملحوظة على السريييع: نعم سجلتُ في
المساق مع الاستاذة التي أريدها.. ولكن لسبب
آخر مختلف تماماً. المهم أني لم استسلم 😉)
مقال راءع فكلما ارتقى الانسان كلما كانت افكاره وافعاله خدمه لغيره وجزاه الله خيرا مما اعطى .شكرا لك الستاذة الغالية خلود على تنوير افكاري
مقال رائع .. ماشاء الله عندماتكون البصيرة حاضرة ننظر للأمور بمنظور مختلف ننظر لها من الأعلى ،، من الماوراء نراها بكل حالاتها اللهم اجعلنا ميسرين لا معسرين .. وبالمناسبة من… اقرئي المزيد »
احبك في الله اختي الغالية خلود ..
كم كنت احتاج لهذه المقالة وفي هذا الوقت
بالذات كأنك توجهين حديثك لي انا ..
جزاك الله عنا كل خير
وموفقة دايما
http://travianr.com/ts3/register.php?ref=59
بسم الله الرحمن الرحيم. مقالة رائعة استاذة في التوكل على الله في السر والعلن…وهذا تقريبا في كل مقالاتك…وقوة الإرادة والعزيمة…موفقة دائما …
سبحان الله العظيم
قصة دخولي لكلية الصيدلة ..وقصة زواجي هي فتح مقعد لغيري سبحان الله
ربنا يفهمنا ويعطينا كحكمتك دكتورة خلود..
السلام عليكن حقا مقالة رااائعة وظيفتي التي انا فيها الان بكيت و بكيت لرفض الشديد لها بسبب انعدام شروط و ضروف العمل وليس ما كنت احلم به لن انسى زميلتي… اقرئي المزيد »
مقال أكثر من رائع وطرح لفكرة من زاويه مختلفه جزاكي الله كل الخير ولعلينا ما يخطر في بالي قصة زواج أم المؤمنين ام سلمه من الرسول صلى الله عليه وسلم… اقرئي المزيد »
مقال رائع والعنوان أروع أستاذة خلود ، نعم كلنا في الحياة أسباب ومسخرون ، ما كان بإرادة منا أو بدون ، فنحن نفر من قدر الله الى قدر الله كما… اقرئي المزيد »
ههههههه مدري طرا على بالي اللي تصعلك الامور مع زوجها وبالتالي تفتح مقعد لغيرها….
مقال جدا جميل استاذة خلود..
دائما افتح المقاعد لغيري ولم اجد مقعدا لي الى اللحظه …رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا