(بقلم أ.روان درّس )
هل جربت يوما أن تحاولي اخراج شيء ثمين من صندوق فوهته صغيرة جدا؟
تخيلي كم ستعانين ، وتتعبين ، وتتصببين عرقا ، وأنت تقومين بهذه المهمة….!
لكنك مع كل هذا التعب لن تيأسي، أليس كذلك؟ لأن ما في الصندوق مهم وثمين للغاية، ولن تفرطي فيه أبدا لتنعمي براحة عدم المحاولة .
وهذا ماحصل معي أثناء محاولتي استخراج قطعة ذهبية وقعت في صندوق ذا فوهة صغيرة جدا.
لكن..
ما علاقة كلامي هذا بموضوعنا؟ هل فكرت بذلك؟
نعم ، هذا ما قصدته فعلا … وأنا أحاول استخراج القطعة الذهبية من الفوهة، كانت ابنتي تنادي علي باصرار مع بكاء شديد، دون ملل ، فكدت أن أنفجر بها، لكني تراجعت؛ حينما لمحت القطعة الذهبية، و تخيلت أن سلوك ابنتي وما أحب أن اغرس داخلها هي ذاتها القطعة الذهبية، وأن ابنتي هي الصندوق ذو الفوهة الصغيرة التي تحتاج لتعب، وعرق، وجهد كبير، وصبر لإخراج المميز والنفيس من حب الله ورسوله في قلبها فتريثت، وبدأت بالبحث لحل مشكلة بكاء طفلتي المستمر.
ومما سبق ، نستنتج :
أن طفلك هو الصندوق بعينه والجوهرة القابعة داخله هي .. حبه الله ورسوله التي إذا أخرجناها ستؤثر في سلوكياته للأفضل ، وستعلي راية الإسلام.
الأمر يا حبيبتي ليس سهلا كما تظنين … الأمر ليس بقراءة مقال، أو سماع محاضرة وحسب .. حتى أفجر حب الله ورسوله في قلب طفلي أحتاج تعبا ، عرقا، سهرا، جدا، لكن! كله بحب .
ومنذ فكرة الجوهرة والصندوق التي خطرت ببالي أصبحت أفكر بعمق ، وأتحدث مع نفسي:
(عليك التركيز في أعماق طفلك، حتى تخرجي منه اللؤلؤ النفيس القابع بداخله دون خدش، أو تلف ،
لكن انتظري !
قبل أن تبدئي به، عليك أن تستخرجي اللؤلؤ الذي داخل صندوقك أنت! )
نعم ..
فأول خطوة وجدتها عندما بحثت عن أسايب غرس حب الله ورسوله في قلب أطفالي هو ..
(أنا )
نعم، أنا، وأنت كأمهات، ومعلمات، ومربيات,
أول خطوة عليك القيام بها هي : أن تغيري نفسك, فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)
ومن هنا بدأت رحلة التغيير .. وأضع بين يديك خلاصة تجربتي مع نفسي وبنتاي ، ومع طلبتي وأهاليهم.
( أخيتي الحبيبة اقرئي وطبقي حتى تحصلي على نتيجة فما هذه الهمسات إلا تجارب عشتها وعاشها أناس حولي من أمهات وطلاب خلال ثلاث عشرة سنة قضيتها بتعليم الأطفال، ومن تجربتي كأم لطفلتين ، فشاهدت وشاهدوا جمال التغيير، وعشنا بين زهور الحب، ورياحينه.
وتذكري :
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)
جددي نيتك لله ، ثم انطلقي معنا لتستخرجي الغالي والنفيس من الفوهة الصغيرة لباب الصندوق العجيب.
أما الخطوات التي بدأت بها رحلة التغيير، وجعلتني أبدأ باستخراج الغالي والنفيس من طفلتاي وطلبتي، فهي:
- عشت مع القرآن, ورحاب السنة … بالتدريج حتى أصبحت عادة، وما أجملها من عادة!
صفحة قرآن يوميا بخشوع في البداية، بعد كل أسبوع كنت أزيدها نصف صفحة، وكذلك السيرة قرأت كل يوم صفحة أو صفحتين من كتاب للسيرة، وزدت عدد الصفحات كل مدة، وحاولت تطبيق ما قرأت من القرآن والسنة .
سمعت القرآن أثناء أعمال البيت .. حاولت أن يبقى لساني رطبا بذكر الله … وجاهدت نفسي أن تكون هذه كلها أمام أطفالي، وطلبتي
لأنهم لا يتعلمون إلا بالقدوة والتقليد .
فماذا كان؟
أصبح كل طالب من طلبة صفي ينتظر وقت فراغ؛ ليمسك مصحفه ( بصراحة انصدمت لما عرفت أنهم أصبحوا يحملون مصحفهم في الحقيبة يوميا لأني أفعل ذلك ) أو يقرأ كتاب
- أحببت نفسي … غمرت بيتي بالحب والسكينة؛ لأنني الأساس بنشر عبق الراحة، وياسمين الحب، وفل السعادة.
رسمت ابتسامتي طوال الوقت مهما حصل، وأكثرت من كلمات الحب، والاعتزاز لأطفالي.
فهم يمتلؤون طاقة وحيوية من هذه الكلمات .
- نذرت أطفالي وطلبتي لله، و جددت نيتي في تربيتهم ( جند لنصرة دين الله تعالى أينما ذهبوا حتى بابتسامتهم )
وأخذت في ذلك زوجة عمران قدوة لي إذ قالت :
(رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي)
وبعد أن طبقت هذه الخطوات بحياتي العملية فعلا، سهل وقتها الصبر، والاصرار لغرس حب الله ورسوله في قلب بنتاي وطلبتي؛ لأني حددت هدفي من حياتي ومن تربيتهم ومن عملي في المدرسة ثم انطلقت.
هل ممكن أطلب منك طلبا بسيطا تقومين به الآن؟
اتركي المقال واذهبي لتعدي لنفسك فنجانا من القهوة التركية، ثم عودي، لكن! ركزي في طريقة إعداد القهوة، واستمتعي بها.
ها أنا أنتظرك .
هل أعددته؟
صحة وهنا مقدما .
والآن وأنت تحتسين قهوتك، ركزي معي..
كيف أعددت قهوتك ؟
بل كيف قمت بغليهاعلى النار ؟؟
وضعتها على نار هادئة جدا، حتى لا تفور، أليس كذلك؟
ووقفت عندها تنتظري انتهاء غليانها، حتى لا تطفو على ما حولها ؟
لكن لماذا كل هذه الأسئلة ؟؟
ولماذا طلبت منك تحضير فنجان من القهوة بهذا التركيز ؟؟
الإجابة بسيطة جدا .
لأني ذات يوم، وأنا أعد القهوة الصباحية كنت أفكر بابنتي الصغيرة كيف يمكن أن أعلمها البسملة قبل كل شيء، فجاءني الحل من القهوة نفسها!
علي أن أجهز للهدف بالطريقة الصحيحة، وأغرسه في قلب ابنتي بروية، كما النار الهادئة التي أغلي عليها قهوتي، وأن أنتظر النتائج بهدوء وإصرار، وأقوم بتذكيرها باستمرار كما أحرك القهوة وهي على النار، وانتظرها حتى لا تفور على ما حولها . باستمتاع ،
بحب،
أغرس القيم ،
وانتظرها تنضج على نار هادئة..
اكرر مرة، واثنين، وعشرة، حتى تطبق هذه القيمة في تصرفاتها.
أغرسها بروية، وعطف ،
فالقيم قائمة على قناعة الطفل و حبه لمن يغرس القيم .
ضربت لك هذا المثال حتى تتذكري تربية أطفالك كلما أعددت فنجان قهوة ،
فنحن بحاجة إلى التذكير باستمرار، مع الابتسامة، و الهدوء، و نحتاج أن نبقى حولهم؛ حتى لا نفور نحن، أو أبناؤنا، أو نخرجهم عن طريق الصواب بأسلوبنا السيء معهم.
لكن كيف أستطيع القيام بكل هذا ؟
هذا ما سأبثه لك الآن من بعض تجاربي مع طلبتي وابنتاي, ورأيت بسببها تغير في سلوكهم وقناعاتهم:
- كنت كل صباح أردد معهم ( اللهم اجعل هذا اليوم في سبيلك ), وأناقش معهم معنى هذا الدعاء, وأضعه على لوحة الصف
حتى لو كان عمرهم صغيرا مثل 3 سنوات أو أقل، فهم يرددون ، يستمتعون بحديثي معهم، ويخزنون ما يسمعون، لكن بعد فترة وجدت أنهم يفهمون كل ما في هذا الدعاء، وعندما أسهى عن ترديده معهم هم من يذكرني به!
- عندما كنت أصلي النوافل في البيت أحاول أن أردد أذكار الصلاة بصوت شبه مسموع ( الفاتحة .. الركوع … السجود), وأضع لهم سجاجيد صلاة بجانبي ( سواء بالبيت أو المدرسة )، وأقول لهم تعالوا صلوا معي واتركهم، لا أصر عليهم هذا فقط للتعويد على الصلاة من الصغر
فأصبحت أفاجأ بمجرد قولي أني سأصلي أراهم يتهافتون للصلاة معي، خاصة الطلبة في المدرسة، وأصبحوا يأتون للمدرسة وهم على وضوء، ويصلون جماعة، وبالنسبة للطالبات فأصبحت كل طالبة تأتي ومعها ملابس صلاتها، وكذلك ابناتي في البيت رغم صغر عمرهما إلا أنهما تصليان معي بإرادتهما .
- أكثرت من ربط تصرفاتهم في حب الله والرسول عليه الصلاة والسلام حتى لو لم يستوعبوا ذلك لصغر عمرهم، مثلا: قاموا بوضع القمامة في سلة المهملات أقول لهم: ممتاز، ما شاء الله عنكم هذا التصرف يجعل الله تعالى يرضى عنكم، ويجعل سيدنا محمد يحبكم ويسقيكم من نهر الكوثر، وإذا كان تصرفا سيئا أقول لهم هذا التصرف سيقلل حسناتكم عند الله، وسيحزن الرسول عليه الصلاة والسلام منكم، واستمر بذكر حديث أحباب الرسول أننا نحن أحباب الرسول عليه السلام
- قمت بعمل لوحة في المدرسة، والبيت على شكل وردة (مثلا ) ، وفي كل بتلة من بتلاتها اكتب حديثا عمليا من أحاديث الرسول عليه السلام مثل
_ ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وكلما ضرب طالب أحدا، أو شتمه أقول له هذا الحديث، وأبين له خطر تصرفه هذا على ضوء فهم الحديث.
_ ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فمثلا: لو اشترى طالب طعاما معينا، وطلب منه زميله أن يعطيه منه، فرفض.
فأقول له الحديث، وأوضحه له.
_ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )
_( إماطة الأذى عن الطريق صدقة )
_( تبسمك في وجه أخيك صدقة )
وبعد هذه اللوحة أصبحت أرى طلبتي يرددون هذه الأحاديث كلما تصرفوا تصرفا صحيحا أو خاطئا , وأصبحوا يعيشون بها، ومعها، وينتظرون قصص الصحابة والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بفارغ الصبر .
لكن هذا الأمر يحتاج لوقت وجلد منك حتى يثمر، وحتى تخرج القطعة النفيسة منهم ، فأهم خصلة تعرف عن الأطفال النسيان النسيان ، ويحتاجون تذكيرا دائما حتى يترسخ الأمر في عقولهم .
استمري أخيتي, فباستمرارك يستمر أطفالك ، تحتاجين استجماع طاقتك كل يوم لذلك قبل نهوضك من فراشك رردي داخل نفسك ( اللهم اجعل هذا اليوم في سبيلك … اللهم إني نذرت أطفالي لنصرة دينك .. فألهمني الصبر والجلد معهم فما هم إلا للإسلام ونصرته ) ابتسمي، وتفاءلي، ثم انهضي من فراشك إلى نهار مليء بالحب والتجارب الرائعة معهم، تجاهلي ما يغيظك منهم، وتذكري ايجابياتهم، وركزي عليها؛ لتنعمي بطاقة إضافية تعينك.
وفي ختام هذا الجزء …
استمتعي مع نفسك،
ومع أولادك،
بتطبيقات عملية للآيات والأحاديث،
واسردي لنا جماليات ما طبقت معهم،
وما المعوقات التي واجهتك ؟
ولك منا كل الحب
بسم الله الرحمن الرحيم
جميل جدا استاذة روان
بارك الله فيك
الله يسعدك أ.روان مقال جميل جداً يبث فينا العزيمه والاصرار لتربية جيل يحمل اخلاق ومبادئ اسلاميه صحيحة فدائماً نبداء بتغير من أنفسنا ثم من هم حولنا ولننظر بنظره مشرقة الى… اقرئي المزيد »
بارك الله فيك أ. روان كلامك رائع ومريح للنفس أتعامل مع أبنائي بذكر أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرها لهم تعقيبا على بعض المواقف لدرجة أنهم حفظوها ويكملوها… اقرئي المزيد »
افكار رائعة وواقعية فعلا الاطفال يقلدوننا في كل شيئ خيرا كان ام شرا..جزاك الله خيرا روان .. انصحكم بسماع محاضرات الدكتور محمد راتب النابلسي ..سلسلة تربية الاولاد في الاسلام …ففيها… اقرئي المزيد »
انا بتعصب جدا ع ابنتي ودايما بعتذرلها وارجع ازعقلها واضربها وانهرها اشعر بفوران وغضب شديد لا استطيع اسيطر ع مشاعري ابددددا فبالتالي لا تحب القران مني ولا الصلاه معي ماذا… اقرئي المزيد »
عليك أخيتي بنفسك قبل ابنتك ، أحبي نفسك، عوديها على الهدوء والسلاسة وحب السعادة، فلن يعطي أحدنا شيئا فقده لأبنائه. الأمر يحتاج جهادا منك، أكثري التسبيح والاستغفار، أخرجي الصدقات بنية… اقرئي المزيد »
رائعة يا روان ..
استمري عزيزتي ..
ننتظر منك المزيد من سلسلة طفلي يحب الله ورسوله ..
نفع الله بك أخيتي ، وجعلك نبراسا للهدى ، والتقى ..
إن شاء الله التدوينة الثالثة ستصدر قريبا ، نفع الله بنا وبك يالبنى الغالية ، وسدد خطانا لما يحب ويرضى❤
بصراحة تجربتي العملية مع ابني الصغير وهو اصغر الابناء ضمن هذا النهج الذي ذكرت تؤكد كلامك مئة بالمئة فأجدة ذو حس مرهف شخصية جميلة محبة لله ولرسوله لكن توصلت لهذا… اقرئي المزيد »
المهم أنك وجدته ويمكن التغيير في أبنائك الكبار لكن بتعب وارهاق أكبر لأنك ستقومين بإزالة ما لديهم وزرع شيء جديد بدلا منه
لكن كم سيكون ممتعا عندما ترين الفرق❤
ماشاء الله مقال حضرتك اقل مايقال عنه انه ابداع ومريح نفسيا فعلا قطرات الماء علي رقتها تنحت الصخر.. اللهم ارزقنى الذرية الصالحة ووفقنى في تربيتهم
رائع بارك الله فيك
انا معلمة رياضيات…كيف استطيع تعليم طلابي هذه القيم دون ان افرط في الماده العلميه لانها محده بوقت؟
اولا عليك ان تستثمري الاسبوع الاول لهذا الموضوع ثانيا في بداية الأمر تتطلب منك من 5 الى 10 دقائق من كل حصة لكن بعد شهر سترين انك تسيرين بمنهاجك أسرع… اقرئي المزيد »
ماشاء الله رائعة خطواتك أستاذة روان وفقك الله من أجمل ما يمكن أن يقوم به المربي أن يتكلم في الوقت الذي يحتاج فيه طفله او تلميذه أن يسمع بعد موقف… اقرئي المزيد »