الجزء العاشر
((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا))
التوبة (40)
آية اليوم.. هي ظل من ظلال العرش..
باب من أبواب الجمال.. ورقة القلوب.. وفضفضات الروح..
آية اليوم قومي بإهدائها لأعز إنسانة على قلبك..
إهديها لسحابة القلب.. ورفيقة الدرب.. ومعراج الحب..
آية اليوم..
تنقلني وإياكِ.. لأكثر من 14 قرناً من الزمان..
إلى تلك الصحبة النادرة قبل البعثة..
بين سيدنا أبي بكر رضي الله عنه مع المصطفى عليه الصلاة والسلام..
حتى بلغت ذروتها عندما صدق الصدّيق صاحبه وخليله من أول الدعوة..
وصدقه الصديق في حادثة الاسراء والمعراج..
ثم كان له شرف الصحبة معه في الهجرة الى المدينة..
من بين كل الرجال.. اختار الرسول عليه الصلاة والسلام سيدنا أبابكر..
لتكون لهما رحلة طويلة شااااقة.. مدتها 3 ايام وربما أكثر…
نحو المجهول…
فارين بدينهما.. وإيمانهما.. مطاردَيْن!
يؤنسان بعضهما البعض على دابتين.. تحت لفيح الشمس وفوق لهيب الصحراء..
ثم كانت صحبة الغار.. وسط العفونة والغبار..
بين العقارب.. والأفاعي.. يترقبان خائفيْن!
إحساسي برعب أبي بكر في تلك اللحظة..
وهو يريد أن يفدي الرسول عليه الصلاة والسلام بروحه…
والنبي يتأمل رعشات صوت صاحبه.. والرجفة في أوصاله..
يشعر به… ويطبطب عليه.. ويهمس له:
لا تحزن.. إن الله معنا…
“يا أبابكر..
ما ظنك باثنين.. الله ثالثهما؟” (صحيح مسلم)
صحبة الاثنين.. محمد وأبوبكر.. كانت صحبة.. بشرين اثنين.. والله ثالثهما…
هل يمكنكِ أن تتخيلي في لحظة.. حبك لإنسانة.. صديقة.. عزيزة عليكِ..
وتعرفين انكِ.. وهي.. والله ثالثكما؟
هل تتخيلين مدى القوة؟ الصفاء؟ المودة؟ الحب؟ التضحية؟
هل تشعرين بتلك الغلالة الرقيقة.. التي تلف مشاعركما.. فتدفئكما معا..
عندما يكون ثالثكما الله؟
تخيلتِ؟؟
أنقلك الآن إلى مشهد آخر..
مشهد سيدنا أبوبكر رضي الله عنه.. عندما تُوفي نبيه ورفيق عمره الرسول عليه الصلاة والسلام..
كان أقل الناس جزعاُ.. وأكثرهم تماسكاً بين جميع الصحابة..
مع أنه كان صاحب الغار…
رفيق الهجرة..
وكان ثاني اثنين.. ثالثهما الله!
أتخيل الحجم الهائل لألم الفقد.. وعمق الوجع في قلبه الحزين..
لكن صاحب الغار.. قبّل الجبين الطاهر للرسول عليه الصلاة والسلام..
وهو مسجى أمامه في آخر محطاته بالدنيا..
وهمس له وسط دموعه: طبت حياً وميتاً يا رسول الله..!
ثم لملم أشتات نفسه.. واستجمع ما تبقى من حطام تماسكه..
واستذكر مقولة حبيبه تتردد في أذنه: لا تحزن.. إن الله معنا..
ليتابع المسير..
أتخيل الصحبة التي كانت بينهما..
صحبة سباق تتابع..
أيهما ينتهي دوره.. تابع الآخر المسير عنه..
أبوبكر أكمل مسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام…
تابع المسير.. بنفس صفاته.. وأخلاقه.. ومسؤولياته..
آمن به حياً.. ثم تابع رسالته ميتاً..
تالله هذه صحبة ناااادرة.. محبة في الله رااااقية..
أن تصاحبي إنسانة..
تؤمنين بها..
بأخلاقها..
برسالتها..
بأهدافها..
تصبح في روحك نشوة..
وفي خاطرك بهجة..
وفي جسدك دفئاً ومودة..
روحك خفيفة كالفراشة معها..
فترين الجمال في أبسط الأمور وأدقها..
قبل أن تعرفينها.. كنتِ تجاهدين فعل الطاعات..
وبعد أن عرفتيها وصاحبتيها.. أصبح للطاعات لذة وحلاوة وصفها صلى الله عليه وسلم بقوله:
“من سرّه أن يجد طعم الإيمان، فليحب المرء، لا يحبه إلا لله عز وجل” (صحيح الجامع)
ثم عندما تعاجلها المنية..
تتابعين من بعدها ما كانت تفعله..
تعلمتِ منها الحياء.. فتتجملين بحيائك..
تعلمتِ منها الابتسامة.. فتتبسمين في وجه أخواتك صدقة عنها وعنكِ..
تعلمتِ منها عبارات وجمل.. تكررينها من خلفها لا شعورياً..
تعلمتِ منها الصبر.. الرقة.. الحكمة.. حسن التواصل..
وأنتِ… من فيض حبك.. تكونين خليفة لها.. ميزاناً جارياً لحسناتها..
وتتابعين المسير..
***
صحبة الغار والخلوة التاريخية التي جعلت الصاحبين يرتبطان ببعضهما..
فيعلمان أنها ليست خلوة.. إنما لحظة مؤيدة من الله عز وجل ليتابعا المسير..
ووفاة الرسول عليه الصلاة والسلام التي جاءت كالصدمة..
لكنها كانت إشارة لأبي بكر.. أن تابع المسير.. حتى تلقى ربك فتحظى بصحبة خليلك مرة اخرى..
عندما يكون الموت.. بوابة اللقاء.. واجتماع الصحبة مرة أخرى!
ما أغلاها من صحبة… وما أرقاها من أخوة..
تعدت حدود الدنيا.. إلى منابر الآخرة!
الصداقات.. المحبة في الله.. نهايتها الموت..
كلنا سنموت..
لكننا لا نفكر بأن هذا الموت هو لحظة اللقاء..
هو تتويج لعمل المحبين في الدنيا..
ونهاية المشوار الذي تابعته كل واحدة من المحبات في الله لأختها..
عندما يقول الله عز وجل: “أين المتحابون بجلالي.. اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل الا ظلي..” (صحيح مسلم)
يجعلني أتفكر..
اشمعنا؟ لماذا بالذات ظل الرحمن؟ ليش مش غرف بالجنة؟ ليش مش قصور؟
لماذا الظل بالذات؟؟
لكن سبحان الله..
عندما تكون خلتك.. ومحبتك.. وأخوتك لفلانة.. صادقة.. نابعة من القلب.. لله.. وفي الله..
لن تتفكري فيها إلا شعرتِ أنها كالظل الذي يمتد على أرض حياتك..
وليس أي ظل!
تخيلي.. تعب الحياة.. قيظ شمس المسؤوليات.. عرق المشاكل.. المصائب.. الابتلاءات..
ثم يكون ظل صاحبة الغار.. تضمك تحت شجرتها.. فيزول الألم.. والعرق.. والاكتئاب.. وكل لهاث الدنيا..
لا تشعرين الا بظلها يلفك.. ولمساتها تكتنفك… وهمساتها تلملم شتات روحك..
فتغمركِ وسط هجير الدنيا.. ببرد الآخرة!
***
كل الاستشارات التي تأتيني.. تسأل: كيف أضمن الاستمرار..؟
فأجيبها: بالصحبة الصالحة!
لا تتعبي نفسك وتتفلسفي بعد كل كتاب أو دورة أو موقف أو ابتلاء..
لن تستطيعي السير وحدك..
ستحتاجين لمن توصيكِ.. تشد على يديكِ..
نحتاجين إلى صحبة الجنة..
لا تحزن.. إن الله معنا..
فتشي ونبشي في وجوه الناس حولك..
اقتنصي أي فرصة للتعارف.. فلعلها هي..
ابحثي عن صاحبة غارك.. ثاني اثنين..
ليكون الله ثالثكما..
فطريق الدنيا موحش.. مظلم.. وحزييييين..
وقدرتكِ على إكمال المسير للآخرة وحدك.. موجعة..
“وتواصوا بالحق.. وتواصوا بالصبر..”
في كل محطة من محطات حياتك..
ستمر عليكِ صحبة.. ترفع سقف المحبة في الله عاليا.. عاااالياً.. دون أن تدري..
ولن تعرفي مستوى هذا السقف.. الا بعد أن ينفرط العقد.. ويرحلون..
فلا تقولي بطل في الناس خير..
وين ألاقي صحبة صالحة..؟
ادعي الله دائما:
اللهم إني أسألك حبك.. وحب من أحبك.. وحب عمل صالح يقربني إلى حبك..
فخزائنه من صحبة الغار لا تنفد..
وإصرارك على البحث والتنبيش والدعاء بإلحاااااااح..
يعني أن سترزقين بالنهاية.. يقييييناً.. بصحبة الغار.. وظل الدنيا..
ومنابر النور وظل العرش في الآخرة..
***
يا حبيبة الروح.. رفيقة الدرب..
يا همسة النفس.. خليلة القلب..
علام الوجد من ألم الفقد؟
اما بلغتك البشرى:
ما ظنك باثنين.. الله ثالثهما؟
إنما أنتِ لي.. صاحبة الغار.
(أهدي المقال لمن تحبين. شاركي في نشر الحب والخير❤)
(شاركي بالتعليق في الأسفل أو على صفحة الفيسبوك: بخاطرة.. او تجربة.. أو قصة.. حول الآية المختارة.. لتحصلي على فرصة الفوز في مسابقة “ربيع قلبي ❤”)
في كل مرة أأجل قراءة مقاتلاتك واليوم قلت لابد ان اقرى مقالك ولا اعلم عما يتحدث .. لمحت الصورة فيها عبارة ولم ادقق .. مقال دافئ لدرجه اشعرني بالشوق لمثل… اقرئي المزيد »
ياله من مقال جمييل كم شعرت بالوحدة و انا اقرؤه و كأنك وضعت يدك على جرحيالذي يدمي قلبي منذ سنين عديدة و كم حزنت لما قرأت اهدي المقالة لمن تحبين… اقرئي المزيد »
Fazo أوركيدة متميزة Fazo, [05.06.17 10:26] [In reply to نسرين حمايدة _ فلسطين] امتلأت عيناي بالدموع و الشعور فوق الوصف سيدتي. أحبك في الله Fazo أوركيدة متميزة Fazo, [05.06.17 10:37]… اقرئي المزيد »
ماشاء الله
جزاكم الله خير
لا يوجد ما أضيفه على تعليقاتكم الرائعة
اسأل الله ان يرزقنا الصحية الصالحة
اللهم ارزقنا الصحبة الصالحه..البحث مستمر
لأكثر من 14 قرناً من الزمن هذه الصحبة العظيمة ما أروعها وماأعظمهامن صحبة … منذ أيام طلب مني ابني وعمره سنتين ونصف ان احكي له قصة فقصصتُ عليه قصة الرسول… اقرئي المزيد »
مقال رائع استاذة خلود …… يحضرني الان بعد قراءة المقال انه من نعيم الجنة لا بل من تمام نعيم الجنة ان يكون الاصدقاء على سرر متقابلين كلما خطر على بال… اقرئي المزيد »
الله مقال يثير الدموع اللهم إني أسألك حبك.. وحب من أحبك.. وحب عمل صالح يقربني إلى حبك، ممتنة على تذكيرك إيانا بهذا الدعاء اللهم ارزقنا الصحبة الصالحة فعلاً لا شيء… اقرئي المزيد »
صدق قائل يوم ان قال:لقاء الإخوان يزيل الأحزان..هم القوم تذكرك بالله رؤيتهم..
والشكر كل الشكر لله ثم لكم استروجينات..جمعنا الله اخوانا على سرر متقابلين..
صديقتي الغالية هي نور حياتي
دائماً بالقرب ..
صديقتي الغالية .. تحبني في كل حالاتي ..
أحب صورتي في عيونها ..
كلما خطرت في بالي ادعو لها بالسعادة ❤
يااااالله ❤ من اقرب الآيات إلى قلبي “لا تحزن إن الله معنا” اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا الي حبك❤… من الخواطر ان سبحان الله في تفاؤل… اقرئي المزيد »
جزيتي خيراً استاذه خلود فعلاً تدبر رائع في معنى الآيات
اللهم ارزقنا الصحبة الطيبة الصالحة…….
واجعلنا كصاحب الغار …….
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الرسول الحبيب اختار صديقاً وكان نعم الصديق رضي الله عنه ، هو الذي صدقة حينما كذبه الناس ، هو من هاجر… اقرئي المزيد »
…ما احلى كلام اليوم…في كل يوم نتقلب بين صفحات حياتنا..من خلال مقالاتك.. ارجعتني الى الوراااء يوم طعمت الحب في الله لاول مرة… ايام مراهقتي،كنت الصديقة الاولى لكثير من الفتيات وشاء… اقرئي المزيد »
“فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم” الاية في التعليق كانت مغلوطة
صاحبة الغار ، ليست ككل الناس تلتقي روحك بروحها ، وتفتح مكامن القلب دون استئذان ، تتوافق أهدافك مع أهدافها ! صاحبة الغار تتحدثين معها بعفوية ، وتتفيئي بظلالها دون… اقرئي المزيد »
تعليق جميل
وانت لي صاحبة الغار.. ……دمتي بود وحب.
إنما انتي لي يا استاذتي صاحبة غار ،
لم اجد بعد صاحبة الغار(جاري البحث) . لكني وجدت
كلاماتك، مقالاتك ، تأملاتك تقول لي
لا تحزني ان الله معنا…..
)لا تحزن ان الله معنا): انهما مطاردان من كل ما عرفاه و الفاه، كل المحيط الذي عاشا و ترعرعا فيه. تنكر لهما وانقلب عليهما. يجلسان في غار مظلم قد انقطع… اقرئي المزيد »