الجزء ١٤/ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ

الجزء الرابع عشر

((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ))

الحجر (21)

تلك الطمأنينة.. التي تكتنفني وتكتنفك عندما نقرأ هذه الآية..

فنعلم يقيناً.. أن الأمر ليس بيد أب أو أم..

ليس بيد زوج.. أو ابن..

لا يحملون مفاتيح رزقك.. ولا سعادتك..

إنما بيد من بيده خزائن السموات والأرض..

يد باردة تمسح على قلوبنا..

أن الأمر بيده كله.. وما بيد أي مخلوق..

تصلني استشارات كثيرة لمخطوبة أو على وشك..

لا تستطيع الاستمرار مع من تقدم لها بسبب عيوبه..

وتخشى إن رفضته أن تكون ممن “رفست” نعمة كانت عند قدميها..

فلا يأتيها أفضل منه!

تعتقد المسكينة أن خزائن الله نفدت.. وأن من تقدم لها هو فريد زمانه..

ومن خلقه لن يخلق غيره.. فما بالها بأفضل منه؟!

أين اليقين بما عند الله؟

وأخرى تعيش بمرارة مع زوج يهينها ليلا ونهارا.. عياناً جهاراً..

تخشى طلب الطلاق بسبب نظرة المجتمع القاتلة..

تخشى أن تفتقر.. فلا تجد من يرزقها في وحشتها بعد فراق ذاك الزوج..

وكأن الخزائن بيده.. وليست بيد ربها وربه!

وثالثة.. فقدت الابن..

الأب..

الأم..

الصديقة..

أو حتى الحبيب..

فقدت شخصاً غالياً عليها..

فتبكيه كلما طاف بها خاطره..

وترفض قبول الحياة من بعده..

وكأن خزائن الله سبحانه وتعالى نفدت.. فلم تعد ترسل في طريقها غيرهم!

ورابعة.. تبحث عن صديقة صالحة.. صاحبة الغار.. فلم تجد..

هالها ما آل إليه زمن الفتن.. فاعتزلت المجتمع وفقدت الأمل..

وكأنها تضن على خزائن مولاها.. أن تستجيب دعوتها وترسل لها الصديقة الصالحة!

والكثير الكثير منا..

نسكب دعواتها على باب الكريم..

يارب.. يارب…

نغلفها بحرقاتنا وعبراتنا وآهاتنا من وجع الحياة..

يارب.. يارب..

نشتهي الكثير من متاع الدنيا..

يارب.. يارب..

نرجوا نعمة آجلة.. أو نريد دفع ابتلاء عاجلاً..

فتطول الإجابة..

ويتأخر رزقنا في السماء..

فتتقهقر أكف دعواتنا خائبة..

مغموسة بالقنوط.. واليأس.. والملل!

وقد فاتنا أن عنده الخزائن..

خزائن كل شيء..

حتى ما نستحي أن نطلبه..

مال أو عيال..

توفيق أو تيسير..

نجاح أو فلاح..

مشاعر أو علاقات..

سعادة أو بركة..

كل شيء..

لكن فاتنا أن كل شيء عنده: ((وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ))

نسينا أن حكمته وخبرته وبصيرته تستوجب: ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ))

هو ذاك اليقين الذي نفتقده عندما نرفع أكف الدعاء إليه..

هي تلك الطمأنينة التي غابت عنا عندما خشينا المستقبل..

وفضلنا عصفوراً باليد.. لأننا نتجاهل وجود سرب من العصافير وغابات من الأشجار في خزائنه!

نعوذ بالله..

نعوذ بالله من قصر نظر.. وقليل توكل..

((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))

نعوذ بالله من جزع وقنوط وعدم فهم للحكمة..

((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))

ونسأل الله أن يوفقنا للطمأنينة وبرد اليقين..

بأن بيده الخير كله..

وإليه يرجع الأمر كله..

وأنه مالك الملك..

وملك الملوك..

فلا نطلب سواه!