((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))
النور (22)
قبل أن تبدئي قراءة المقال..
ارجعي لمقالي “سامحي” و “ميلاد قلب” أولا..
ثم تابعي 😊
*
*
*
كثرت الأصوات التي تنادي بالعفو والتسامح..
وأن ديننا دين السماحة والعفو..
دورة هنا.. كتب هناك.. عن فن وأصول التسامح..
لكن قلما نجد من يجرب التسامح دون أن تبقى في حلقه غصة..
ودون أن يجد في نفسه شروخاً وألما.. وجرحاً غائرا!!
العفو والتسامح ليس أمراً سهلاً..
وتم استغلاله بطريقة مخالفة عما شرعه الله لنا..
لإنهاء معاناة المظلوم.. بطريقة غير سوية.. ولا واقعية..
فلان استدان مني ولم يرجع الدين..
سامحه واحتسب مالك عند الله!
فلانة آذتني وقذفتني في عرضي وتسببت في طلاقي..
سامحيها وامضي في حياتك.. وسيأخذ الله حقك منها!
فلان حصل بالتحايل على الترقية التي كانت من حقي..
إنساه وتابع اجتهادك وستحصل على الترقية لاحقاً!
فلانة ظلمتني في درجة المادة ورسبتني..
أمرك لله.. سامحيها وعيدي المادة والا استقصدتك!
هناك خلط..
بين العفو وبين التناسي..
بين الصفح.. وبين التجاهل..
بين التسامح.. وبين التنازل!!!!
الأولى علاج حقيقي.. لا يتم إلا بشروط..
والثانية مسكنات ألم مؤقتة.. لكن الألم الذي يردح تحتها قد ينفجر في أي لحظة!
الأولى مفهوم إسلامي يبني العدل..
والثانية مفهوم مدمر.. تتآكل فيه الحقوق.. وينخر سوس الوجع في ثنايا النفس دهراً طويلاً!!
الآية أجمع المفسرون أنها نزلت في سيدنا أبي بكر رضوان الله عليه..
لأنه حلف أن يمنع نفقته عن قريبه الفقير “مِسْطَح”..
بعد أن علم أنه ممن خاض في حديث الإفك على ابنته عائشة رضوان الله عليها..
حتى برّأها الله من فوق سبع سموات..
ثم نزلت الآية على الرسول ﷺ ليقرأها على أبي بكر..
فقال الصديق وهو يبكي:
بلى، والله إنَّا نحب يا ربنا أن تغفر لنا..
ثم أرجع إلى مِسْطَح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.
توقيت الآية..
ونزولها..
لم يكن عبثاً ولا عشوائياً..
لأن الظلم الواقع كان كبيراً.. بشعاً..
والإحسان كان واضحاً من طرف سيدنا أبي بكر..
لكن الآية لم تندب العفو.. ولم تشجع أبابكر عليه..
إلا بعد أن تمت تبرئة السيدة عائشة رضوان الله عليها من عند الله..
فشفيت الصدور من غل.. وعاد الحق إلى أهله..
هنا..
من علو..
من مقدرة..
من عودة الحق لأهله..
لا يملك للمؤمن إلا أن يتذكر موقفه بين يدي الله تعالى يوم الحساب..
موقف الضعيف.. المقصر.. الظالم لنفسه..
أمام رب قدير.. حكم.. عدل.. مقسط..
لكنه عفو.. وغفور!
فلا يملك للمؤمن الحق.. إلا أن يعفو.. ويصفح..
بعد أن استرد حقه وشفى صدره!
العفو.. التسامح.. الصفح..
وسيلة لتعاضد المجتمع.. وشفائه من أمراض الغل والحقد والكراهية والتحامل..
ولن تكون هناك قدرة حقيقية على العفو… إلا بعد مقدرة..
تماماً كالصورة البيانية التي صورتها الآية “ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟”
لن تحدث هذه المغفرة من الله عز وجل إلا دون مقدرة..
ودون أن تقبض السموات بيمينه..
ودون أن ينادى: لمن الملك اليوم..؟
قمة العزة.. والجبروت.. والكبرياء على العرش!
ولله المثل الأعلى..
أنا وأنتِ..
مهما ضحكنا على أنفسنا ونقول نسامح..
مهما أسقط بيدنا ونقول نعفو..
لن تشفى قلوبنا..
ولن نتجاوز..
دون عودة الحق لأهله..
دون أن نشعر بعزة المؤمن.. الذي يترك كل شيء لله.. بعد أن مكنه الله فيمن ظلمه…
أو ليست دعوة المظلوم مستجابة؟
أو لا يضيع حق وراءه مطالب؟؟
قد تكون هناك حقوق.. يمكن الحصول عليها..
باستعادة مال.. إعادة اعتبار.. استعادة حق واجب..
هذه لا تستقيم الحياة ولا يجري العدل على الأرض إلا بعودتها لأصحابها..
برفع قضية.. او كتابة شكوى.. أو التحدث أمام الملأ.. أو حتى “القدرة” على فعل ذلك كله..
روى أحمد عن وائل بن حجر (وقد كان من بقية أبناء الملوك):
“أن رسول الله ﷺ أقطعني أرضا، وأرسل معي معاوية أن أعطيها إياه – أو قال: أعلمها إياه -، قال:
فقال معاوية: أردفني خلفك.
فقلت: لا تكون من أرداف الملوك.
قال: فقال: أعطني نعلك.
فقلت: انتعل ظل الناقة.
قال: فلما استخلف معاوية وصار أمير المؤمنين، أتيته فأقعدني معه على السرير (عرفه معاوية فرحب به، وقربه وأدناه)،
فذكرني الحديث (أي الموقف الذي دار قديماً بينهما) –
فقال: وددت أني كنت حملته بين يدي (خجلاً من وائل لصفح معاوية له).” (صحيح الترمذي)
وهناك حقوق.. تختلف النفوس البشرية في التعامل معها بصبر وحلم وأناة..
دون أن تشغل بالها كثيرا بالطرف الآخر..
لأنها نفوس أصلا تنضح بحسن الخلق. وحسن الظن.. وطيب المعشر..
عن أنس – رضي الله عنه – قال:
“كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية،
فأدركه أعرابي فجبَذَه بردائه جَبْذَة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ
وقد أثَّرت بها حاشية الرداء من شدَّة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك،
فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء” (متفق عليه)
وهناك حقوق..
لا يمكن استرجاعها..
لتغير الأحوال.. أو قرابة الشخص.. أو لعدم قدرة الشخص أصلا..
مثل ظلم الوالدين في الصغر..
ظلم شخص.. مات لاحقاً..
هنا..
لا يملك صاحب المظلمة إلا الصفح والعفو..
مع اليقين..
بأن الله سبحانه وتعالى.. حكم عدل..
لا يرضى الظلم لعباده..
فيعلم يقييييينا.. بأن الله قد كشف عنه غمة..
أو ستره في موقف..
أو أغدق عليه نعمة..
بمظلمة فلان أو فلانة في يوم ما له!!
((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))
***
وليعفوا.. وليصفحوا..
ليس أمراً..
ولكنه ترغيب..
لنحسن لأنفسنا.. ونرتقي بها عن التمرغ في سفاسف الدنيا وخسة المشاعر السلبية..
وليعفوا وليصفحوا..
كي لا ننقلب إلى آلات انتقام.. فنوغل في الايذاء والتشفي ممن ظلمنا.. فننقلب أكثر ظلماً منه..
وليعفوا وليصفحوا..
كي لا نحمل على ظهورنا مشاعر كئيبة.. مظلمة.. تعيق حملنا لنتابع رسالتنا.. في التحلي بأسمائه الحسنى.. وإعمار الأرض..
وليعفوا.. وليصفحوا..
هو قرار..
تبعاته كثيرة..
أولها إقامة العدل والحق…
وآخرها..
مغفرة ورحمة.. بين يدي الغفور الرحيم ❤
(شاركي بالتعليق في الأسفل أو على صفحة الفيسبوك: بخاطرة.. او تجربة.. أو قصة.. حول الآية المختارة.. لتحصلي على فرصة الفوز في مسابقة “ربيع قلبي ❤”)
حقا العفو و المسامحة دون إرجاع الحقوق أمر بالغ في الصعوبة بالذات إذا لم تستطع التماس العذر للمخطئ في حقك و تعذرت المطالبة. ولكن هناك بصيص أمل يرفع عن النفس… اقرئي المزيد »
انا لا احب ان اربط ظلم انسان لي بانه قدر ان كان بالمفهوم للقدر على انه شي مكتوب او مفروض حاشا لله ان يرضى بالظلم وهو الذي حرمه على نفسه… اقرئي المزيد »
♡كي لا نحمل على ظهورنا مشاعر كئيبة.. مظلمة.. تعيق حملنا لنتابع رسالتنا.. ♡ هاته الكلمة التي لامست قلبي .. عشت مع مقال سامحي ، وعشت مع مفال ميلاد قلب …لكنني كنت… اقرئي المزيد »
مقال عميييق لا أجد عندي جديداً لأضيفه إن كان العفو الحليم الرحيم يرزق ابن آدم الذي أثار السماء و الأرض و البحر ليطبقوا علينا ، فيقول دعوهم لو خلقتموهم لرحتموهم… اقرئي المزيد »
شكرا لك استاذة لتوضيح معنى التسامح. كم يعجبني الذي يسامح وهو في اوج قوته،لأن ذو الشخصية الضعيفة الذي ارتضى لنفسه ان يعيش على الهامش واعجبه دور الضحية المظلومة في فيلم… اقرئي المزيد »
جميل كلامك
يعطيك العافية أستاذة بوركتي العفو والتساح هما زينة القلب وحُلِيُهُ راحة البال وصفاء للنفس دليل على رفعة وحسن الخلق وما يلاقاها إلا ذو حظ عظيم لدينا مثاال راىع وبليغ لقصة… اقرئي المزيد »
ماشاء الله جزء جميل التسامح شي جميل لو وجد بمعناه الصحيح بين الناس فكثير منا من يقول أني سامحتك لكن قلبه مقبوض وغير مرتاح ويبقى الالم في القلب مزروعا بل… اقرئي المزيد »
غريب حقا… عندما يتدبر الانسان القرآن ويعرفه حق المعرفه ..يرى كم من الجهل يحمل في داخله.. نعم نسامح لكن صحيح لا ننسى لان المسامحه مفهوم اعمق مما كنا نظن ان… اقرئي المزيد »
اللهم اني قد سامجت كل من لي عليه حق..فاجعل كل من علي له حق ان يسامحني..وسامحني انت ياكريم واكتبني من اهل عفوك وغفرانك..
مقال راااائع تبارك الله إذاً السماح إن لم يكن من القلب فهو ليس بسماح نخدع أنفسنا وندغدغ أرواحنا بكلمة سامحت ومازال قلبي يعتصر وجعا كلما تذكرت وأضمر في نفسي رغبة… اقرئي المزيد »
جزيت الخير استاذه خلود ولا يستطرقني هنا الا قول الشافعي: لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيتـه أدفع الشر عنـي بالتحيـات… اقرئي المزيد »
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله العفو والتسامح خلقان رائعان إن تحلى بهما الشخص ، لكني أرى أننا أصبحنا في زمن يصعب على كل البشر أن يسامحوا… اقرئي المزيد »