((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ))
الروم (7)
قبل سنوات.. في مجلس نسائي..
سألتني إحداهن.. في أي مدرسة يدرس أولادك؟
أجبتُها أنهم يدرسون في مدرسة عربية..
فعَلَت وجهها الدهشة.. عربية؟ ولماذا لا يدرسون في مدرسة أجنبية؟
أنا علتني الدهشة أسألها: اشمعنا؟
أجابت لأنهم يجب أن يتعلموا اللغة الإنجليزية..
– اشمعنا؟
– لأنها لغة عالمية.. لأنها لغة العلم والتفوق.. لأنها لغة المستقبل..
– ولكنهم يعيشون في تركيا.. فالأولى أن يتعلموا العربية..
لأنها لغة القرآن..
ثم اللغة التركية.. لأنها لغة البلد الذي هم فيه..
– ولو.. يجب أن يتعلموا الانجليزية ليضمنوا مستقبلهم!
هذا الحوار حفر في ذاكرتي زمناً طويلاً..
بسبب إصرار تلك السيدة أن اللغة الإنجليزية هي فرض العصر..
ولا يهم أن يتعلم الابناء اللغة العربية..
المهم.. أن يتقنوا اللغة الانجليزية.. لأنها ستكون مجرى حياتهم ومصيرهم!
أعرف الكثير من العائلات العربية.. لا يعرف أولادها حرفاً عربياً..
ويفخرون بذلك!
فيما تنبهر الكثير من الفتيات التركيات حينما يعرفن أنني عربية..
يقلن بالحرف: يا حظك.. تستطيعين فهم القرآن دون معاناة!
ودار نقاش بيني وبين فتيات عربيات يدرسن في مدرسة عالمية..
وضحن لي أنهن يفضلن الكتابة والقراءة باللغة الإنجليزية عوضاً عن العربية..
لأن الانجليزية.. تعبر عن مشاعرهن وأحاسيسهن أفضل مما تفعل اللغة العربية!!!
عجباً..
إن كان ذلك حقاً..
فلم نزل القرآن.. بالعربية؟؟
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
الدنيا ميدان منافسة لشهادات الماجستير والدكتوراه..
نحصل على الشهادة لنرميها في وجوه أرباب عملنا.. ليرفعوا لنا الراتب!
نحصل على الشهادة ليسبق اسمنا حرف الـ “د.” الفريد..
الذي يوحي بأهمية حامله.. ومستواه الفكري والاجتماعي..
نصنع حولنا هالة من المراكز الأكاديمية والوظيفية والاجتماعية..
نتشدد في البروتوكولات الرنانة.. ولا نتنازل عنها..
يا ويلك إذا لم تسبق اسمي بلقب دكتور..
يا ويلك إذا لم تناديني أولا باشمهندس..
يا ويلك إذا لم تلقبني بـ “صاحب السعادة” أو “طال عمرك”!
ونتشدق في المحافل.. وسط حضور مشدوه ومُعجب..
يبجّل فينا حرف الدال والألقاب البراقة..
نتشدق في كل القضايا.. حتى وإن لم تكن تخصنا!
لم نعجز عن أمر فتوى.. حتى وإن كانت من رأسنا!
لم نعجز عن تفسير الدين “على كيف أبونا”..
لم نعجز أن نحلل بطريقتنا.. وكأننا من اخترع الذرة..
مستندين إلى هالتنا التي تسحر الآخرين فيتبعونا..
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ))
ثم إذا استشهدنا بآية من كتاب الله..
خرجت من أفواهنا عامية ركيكة.. نقلب الذال زاياً.. والإدغام إخفاء..
ونتنحنح بلباقة..
متعذرين أن “تجويد القرآن” لم يكن ضمن مناهج دراستنا الأكاديمية!
عجباً..
كل هذه الأعوام في تحصيل “الدال”..
ولم نجد خلالها وقتاً لتعلم تجويد القرآن؟
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
نجيد عقد الصفقات.. وإتمام المبيعات..
نحترف الاستثمار واللعب في بورصة الأسهم..
نتقن فنون التجارة والعمارة والبزنس والفريلانس..
نلهث خلف التنمية البشرية.. وعلوم النفس الاجتماعية..
نحب الفلسفة.. والفزلكة.. واستعراض عضلات الفشخرة..
نتفنن الجلوس تحت بقعة الضوء.. وجلب الاهتمام لنا..
لكننا نعجز..
أن نجلس مرة لوحدنا.. نحاسب فيها أنفسنا بميزان الآخرة!
نخشى.. بل يصيبنا الرعب.. من خلوة مع الله..
لا نتقن دعاء مأثوراً واحداً..
وإن أتقنا.. لا نعرف كيف نلقيه بضعف وتواضع وانكسار لله!
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
فلانة فاشنيستا..
مستحيل تضع سيلفي لها لموديل مكرر..
لون الحذاء يجب أن يتطابق مع حقيبة اليد..
وأحمر الشفاه يجب أن يكون لامعاً لأنها موضة هذا العام..
بعد أن كان الروج “المات” هو موضة العام الماضي..
لا تفوتها شاردة ولا واردة من أسماء الماركات.. وعروض الأزياء..
ومنشوراتها موسوعة علمية ومرجعية موثوقة لعمل الكونتور ومكياج العيون!
ثم إذا جاء شهر رمضان.. احتشمت شوية..
فوضعت سيلفي لها وهي ترفع يديها بالدعاء.. مع لمعة خواتم شوارفسكي..
أو تستعرض شيلتها من بيير كارديه.. أثناء عمرتها من أمام الكعبة!
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
وفلانة.. متصيدة لأخبار أهل الفن ومشاهير الإعلام..
حسابها في انستقرام كوكتيل من سقطاتهم وهفواتهم والسخرية حولهم..
مع حبة بهارات حول فضائح عمليات التجميل.. وتتبع عورات صورهم!
ثم وسط هذه الهيصة كلها..
يأتي يوم الجمعة… فيرتدي حسابها العمة والجلباب..
وتضع الأحاديث والاذكار التي تذكر بهذا اليوم الفضيل..
ولا بأس أن تضع من حين لآخر أحاديث وآيات تنهى عن السرقة..
لأن الناس “تلطش” من حسابها.. فتسرق جهودها التي تقتات على لحوم الناس!
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
وفلانة ثالثة..
موسوووووعة في التسوق ومعرفة دهاليز المولات..
مستحيل تخرجي معها مشوار.. دون أن تعرف لك كل الطرق المختصرة..
لأرخص الأسعار.. أفضل التنزيلات.. أجمل الموديلات.. وآخر أساليب المكاسرات!
مستعدة تلف معك السوق 10 مرات..
تحادثك على الهاتف بالساعااااات..
تستعرض مشترياتها ومقتنياتها..
وتتفنن في إبهارك بأساليب توفيرها وطرق دهائها في الشراء..
خزاناتها تطفح بالثياب الجديدة.. وصالونها يطفح بالتحف الثمينة..
لكنها خلال محادثتها معك.. تأتيها رسالة نصية..
طلب تبرع لجمعية خيرية..
فتغمغم: اففف.. متى يفكونا؟!
ثم إن كان مزاجها جيداً.. قد تتبرع بخمسة ريالات..
من باب أن يفتح الله عليها ويرزقها من حيث لا تحتسب!!
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
وفلانة رابعة..
فنااااانة طبخ.. وحلويات..
قرة عينها.. أن تزرع في وجهك امارات الدهشة والانبهار..
للسفرة التي تقدمها أمامك..
أجمل لحظات انتصارها.. عندما يتحدث أهل زوجها عن سفرتها لأيام وأسابيع..
تملك 100 كتاب طبخ.. وتتابع ألف حساب لصنع المعجنات والحلويات والكبسات..
لا يمكن أن تسمح لأسرتها أن تمد يدها على الطعام..
دون أن تصوره من جهاته الأربع…
فترسل الصورة من فورها على كل حساباتها الاجتماعية..
مع تذييلها بـ “اذكروا الله.. قولوا ما شاء الله”..
ثم إذا أخلدت للنوم..
تذكرت أن تجمع الظهر مع العصر مع المغرب مع العشاء..
لأنها واقفة في المطبخ من بعد أذان الفجر..
لتطبخ سفرتها الموعودة أملاً في إبهار الصديقات!
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..
***
اليوم..
أصبحت الدنيا أكبر همنا..
ومبلغ علمنا..
صارت الدنيا لهاث مظاهر..
وشهادات تفاخر..
وأموال زينة..
وعلوم فلسفة..
وأبناء يمشون على نفس طريقنا..!
ونسينا..
أنه: “رُبَّ أشْعَثَ أغْبر ذي طمْريْن مَدْفوعٍ بالأبواب، لو أقْسَمَ على الله لأبرَّه” (رواه الترمذي)
هجرنا القرآن..
كركبنا الصلاة..
نسينا الدعاء..
أهملنا الذكر..
أمتنا القلوب..
وما عدنا نخشى الله!
قال عليه الصلاة والسلام:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ:
1. صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ
2. وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ
3. وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (رواه الترمذي)
ثلاثة أعمال.. باقية..
وبقية أعمالنا..
فانية!
فلنختار.
(شاركي بالتعليق في الأسفل أو على صفحة الفيسبوك: بخاطرة.. او تجربة.. أو قصة.. حول الآية المختارة.. لتحصلي على فرصة الفوز في مسابقة “ربيع قلبي ❤”)
طول عمري وعندي عشق للغه العربيه الانكليزي الحمدلله منيحة فيه وتغربت وبدات لغه ثالثه بس ولا يوم بعمري يمر الا واشكر واحمد الله على اني عربيه مسلمه ولغتي الام عربيه… اقرئي المزيد »
سأقول ما قاله احدهم لاصحابه الذين يتنافسون على الشهادات من سيزفر بها :قال” سستظفرون بكل الشهادات التي تريدونها بأي شهادة تتمنونها ستأتي في أيديكم الا شهادة واحدة لن تأتيكم سفوزون… اقرئي المزيد »
مرة قلت ﻹحداهن لماذا يدرس أولادك في مدارس أجنبية؟ فقالت لي: ماذا فعل الذين درسوا العربية؟ فتعجبت و قلت لها: هذه أنا درست الطب. فهل اللغة العربية سبب تأخرنا؟؟ سبحان… اقرئي المزيد »
وانا من الناس الذين تغريهم مظاهر الحياة الدنيا . ربما بأمثلة أخرى غير المذكورة . وربما بإندفاع اقل . لكن صدقاً المظاهر تأخذ جزء من عناصر اتخاذ القرار في حياتي… اقرئي المزيد »
جزاك الله خيراً.. لا فض فوك
رغم أنني لم أسلم من …نوبات تصيبني من النماذج المذكوره في بعض الفترات … إلا أنها تستفزني جداً .. وأجدني مجبرة أحياناً على مجاراة المجتمع ولو بشيء بسيط ..لكن هذا… اقرئي المزيد »
ابي اجعل همي هم الاخره
لا تعرفي كم هاد المقال يلامس الواقع لان الناس، اصبحت تافه لا تعرفي معمن تتحدثي او تجالسي…… ربي يسر لنا الصحبة الصالحة
الحمد لله ان لطف بي وعافاني مما ابتلى به غيري ، تربيت في بيئة ولله الحمد ملتزمة ..فتجدني اتناقش مع من اعرفهم حول هاته النقاط …لكن يشعرون وكأن كلامي موجه… اقرئي المزيد »
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا متقبلا..
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صدقتِ استاذة بكل حرف كتبتيه ، فالدنيا فعلاً أصبحت همنا وشغلنا الشاغل ، أصبح التباهي اهم شيء بل والتباهي باللغات الاخرى… اقرئي المزيد »
جزاك الله خيرا على هذا الإبداع والمقال المتميز يقول أحد الدعاة : تتلمنا في الرياضيات أن أي عدد نقسمه على مالانهاية يساوي صفر وكذالك علاقة الدنيا بالآخرة ،نعمر بضع سنين… اقرئي المزيد »
أذكر في نقاشي مع صديقة عن تجهيزاتها لرمضان، و أنها كانت تود لو أسعفها الوقت مبكراً لتشتري صوان رمضان الأحمر و تعلقه على الجداران و مفرش طاولة في الصالة و… اقرئي المزيد »
ما شاء الله تبارك الله استاذة خلود، وضعتي يدك عالجرح. فعلا الفتنة طاغية و حب الحياة الدنيا و الشهوات.قد اكتسحت الناس و الناس قد اصابهم الوهن كما قال رسول الله… اقرئي المزيد »
صدقت، لقد انشغلنا في طيات الدنيا وشهواتها ، وتناسينا ماهو اسمى وأجل.
اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا
واجعلنا من ورثةجنة النعيم. .
مشاعر مختلطة من قراءة هذا المقال… كأن الحديث لي أنا…. تعلمت (بالطريقة الصعبة) أن تعلم الدين كان يجب أن يكون أولى أولوياتي… تخرجت من الجامعة وكلي حب للغة وحضارة ما… اقرئي المزيد »
كلام يكتب بماااء العيون… بسم الله ماشاء الله عليك استاذة خلود،في كل مقالة نقول هذه الافضل ،هذه ،هذه.. سبحان الله احيانا اقول معقول هذه الاية مذكورة في القران،معقول لم يخطر… اقرئي المزيد »
لا فض فوك أيتها المبدعة الرائعة.أصبت،أصبت،أصبت.صارت دنيانا دار تفاخر ولهو ولعب وتكاثر في الأموال والأولاد…حدنا عن الطريق،فغرقنا في وحل المباهاة والزخارف،متناسين أنها لا تساوي جناح بعوظة عند الباري تعالى. كما… اقرئي المزيد »