عشتُ طوال عمري في الغربة.. ولا أعرف وطني الأصلي إلا اسماً فقط.. وبعض الذكريات المتماهية التي تذوب وتتلاشي مع أحداثي اليومية…
عشتُ شطر عمري في بلد المولد.. والشطر الثاني في بلد المهجر..
عشتُ طوال عمري مشتتة.. ضائعة.. متذمرة بين غربة المولد.. حيث المعاملة مختلفة لأنكِ وافدة..
وبين غربة المهجر.. حيث اللغة والثقافة مختلفة..
وبين هذه الغربة وتلك.. وبين غربة الشتات.. بعيداً عن موطن آبائي وأجدادي..
لم أذق يوماً طعماً للوطن..
أتابع حياتي في الغربة.. وأنا أذرف الدموع شوقاً لأهلي..
ثم إذا زرتُ أهلي.. وجدتني غريبة بينهم.. فاتتني أخبارهم وتحولاتهم.. وصرتُ فقط ضيفة عندهم!
لأشتاق لوطن المهجر مرة أخرى.. حتى اذا استقر بي المقام.. وضحكتُ على نفسي بأنني منهم.. ومعي جنسيتهم.. قابلني نفس السؤال كل يوم: ما أصلك؟ من أين أتيتِ؟ ما معنى اسمك؟
اييييييه.. أتعرفين؟
أجيبلك اياها من الآخر…
سواء كنتِ في وطنك.. بين أهلك..
او كنتِ في وطن آخر.. ما نسميه يعني “غربة” أو مهجر..
ستطول بكِ الحياة بما يكفي.. لتكتشفي ان كل مرحلة من مراحل حياتك هي غربة..
وستعيشين أياماً.. تكونين فيها غريبة حتى في بيتك..
وسط أهلك..
مع أمك.. أو أخواتك..
مع زوجك.. أو أبنائك..
مع صديقاتك..
ستعيشين لتنكري الكثير من الأمور على المكان الذي تعتبرينه وطنك.. وتتمنين وطناً غيره..
وستعيشين لتنكري أغلب انماط الحياة في الوطن الآخر وتشتاقين لعودتك الى وطنك..!
ثم تكتشفين.. بين هذا وذاك.. ان لا موطن حقيقي لكِ في الدنيا..
إنما هي محطات..
نهايات وبدايات..
والمحطة الأخيرة.. الوطن الحقيقي.. المثوى الأخير.. هو بيتك في الجنة!
قصورك.. سراياكِ.. جناتك.. حدائقك.. أنهارك.. بحرك.. سمائك.. أهلك.. أصدقائك.. أحبابك..
كلها هناك لكِ..
وكلها مطبوع عليها حروف اسمك: ملكية أبدية أزلية ما دامت السموات والأرض..
بيتك الحالي.. سينتقل لغيرك..
ذهبك وأملاكك.. سيرثها ويوزعها ويبيعها ورثتك..
أولادك الحاليون.. سيتزوجون ويغادرونك..
زوجك.. قد يُخلص لكِ.. أو يتزوج غيرك.. أو يتوفاه الأجل قبلك!
أمك.. أبوك.. سيرحلان..
أخوتك.. سيتشتتون بحثاً عن أرزاقهم..
البشر من حولنا يذهبون..
وما نمتلكه حقا.. هو ملكية مؤقتة.. ستذهب الى غيرنا عندما نفقد أهليتنا في الحياة..
حتى ما نكتبه في النت..
حتى قناة استروجينات
مدونة استروجينات..
صفحة استروجينات..
ستغلق كلها وكأنها لم تكن.. عندما تموت صاحبتها!!
الموت… هو النهاية الحقيقية للغربة.. وهو البداية الحقيقية للعودة الى حضن الوطن
لذا..
عندما أعيش بين تلاطم أمواج الغربة طوال حياتي..
فإن الشيء الوحيد الذي أفكر فيه.. هو ما الذي سأتركه هنا.. في هذه الغربة..
لأمتلكه غدا بعد موتي.. على أرض وطني.. بيتي الحقيقي.. الذي أمتلك صك ملكيته الأبدية!
كلنا.. أنا.. وانتِ.. وهي.. نمتلك الكثيييير.. لكنه ليس بيدنا الان..
نمتلك قصوراً في الجنة.. واشجاراً لا تعد ولا تحصى.. نمتلك ربما فدادين لا نهاية لها .. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلبنا قط!
لكنها بانتظارنا ان ندفع ثمنها هنا.. والان..
الحقيقة التي ستصلين إليها.. كما وصلتُ أنا لها.. بعد الكثير من التخبط والحيرة والدموع والألم والشتات..
أن مكاننا الحقيقي.. وعودتنا الحقيقية.. ندفعها اليوم.. لنعيشها غدا..
لا شيء حقيقي الان.. ولا حتى كلمة “غربة”..
هي محطة..
وانتِ في هذا البلد محطة..
في بيت أهلك.. محطة..
في بيت زوجك.. محطة..
في عمر التقاعد.. بدون زوج ولا أولاد حولك.. أيضا.. محطة!
سلسلة محطات… نسميها مجازا غربة.. ولكنها البضاعة التي ندفع ثمنها حتى نمتلك وطننا الحقيقي في الجنة!
ربما تحتاجين للاشتياق.. واللوعة.. والتحسر..
لكن اشرحي صدرك.. للسماء..
وثبتي قدميكِ على الأرض.. أينما كانت.. ومع من كانت..
وادفعي ما استطعت من بضاعة الدنيا ثمناً للاخرة..
بري والديك وصليهما..
تزوجي.. لتعفي زوجك وتنجبي ذرية صالحة..
ربي اولادك.. ليكونوا أغراب في الدنيا.. ويسعون لبيوتهم الحقيقية في الجنة..
اجعلي بيتك.. مكانا تلتقي فيه النساء.. فتكون الاحاديث كلها.. انجازات.. مبادرات.. طموحات.. وخير يعمكن جميعا..
بيعي من ذهبك.. وتصدقي من مالك.. حققي أحلامك الآن من الصدقات الجارية.. لأن ورثتك قد يضنون عليكِ بها!!
ابتسمي..
بادري..
ادعمي..
شاركي..
في أي مكان على وجه الأرض..
وتذكري..
ان الرسول عليه الصلاة والسلام.. كان قبره في المدينة.. وليس في مكة..
وان أغلب الصحابة.. من المهاجرين والأنصار.. قبورهم حول العالم.. خارج أوطانهم الحقيقية..
الوطن ليس ما نولد فيه أو نحمل جنسيته..
ولا ما نعيش طفولتنا فيه أو نشب عليه..
ولا ما نتزوج او ننجب او نبحث عن رزقنا فيه..
الوطن هو المكان المؤقت الذي نبيع ونشتري فيه من أعمال الدنيا…
ثمناً لشراء أوطاننا الحقيقية في الآخرة!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ،
فقال : “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” .
((رواه البخاري))
السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته يعجز لساني ان يسطر لك اعذب البيان والعجز حروفي ان تنظم لك عقداً من الكلمات التي تليق بك رائع المقال فعلا لو اطرقنا بفكرنا لبرهة… اقرئي المزيد »
شكراً لكِ
بالفعل كلام مريح جدا واتاني في وقته فانا اتخبط هنا في الغربة واشتاق الى وطني واهلي ولكن عندك كل الحق فالوطن الحقيقي ليس هنا اللهم بلغنا جنتك واعفو عنا يا… اقرئي المزيد »
رائعة. يا الله شو برتاح لما اقرأ مقالاتك. أشعر انك تخاطبني وحدي ,أشعر في كل مقال انه مكتوب لي خصيصا . بتحطي إيدك عالوجع وكأنك تعلمين ألمي دون ان اتحدث.… اقرئي المزيد »
كلامك غاية في الروعة وبيتنا ووطننا ينتظرنا في الآخرة وحسبما زرعنا في الدنيا سنحصد في الآخرة اللهم رضينا وأرضى عنا ياكريم .
انا بحاجة ان أكلمك على الخاص بحاجة جدا
أتمنى ان تكلميني تردي علي حتى نتواصل
ولَك جزيل الشكر
رغم اني من اول من قرأوا هذه الكلمات إلا أني قرأتها الآن وكأنها المرة الأولى.. ابكيتني كثيرا أستاذتي.
جزاك الله خيرا استاذه خلود فالغربه التي تحزننا ليست غربه وطن او غربه اهل واصدقاء بل غربه عن الله
منظورك للغربة ايجابي و رائع ويفك قيود تعلقنا بالدنيا وذكرني بأمرين اولهما :كنت مع ولدي نستمع لسورة يس وبختام قوله تعالى (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون )… اقرئي المزيد »
غربتي في وطني بعيدا عن اهلي وبعيدا عن زوجي ؟ نعم انا اعيش مع اولادي في بلد والدهم والاخير يقيم مع زوجته واولاده في مدينة اوربية ..رجعت لدراسني وتحسين نفسي… اقرئي المزيد »
سيدتي.. مقال جميل.. كنت انظر للغربة انها غربة الجسد مع من نعاشر في اي مكان كان واي زمان.. كنت اظن ان الغربة تشتد حين تتعلق بالفكر.. بالسلوك وبالاخلاق.. مقالك نبهني… اقرئي المزيد »
أريد الاشتراك بالدورة الجديدة غدا ان شاءالله
المقال ررررائع جدااا فكرت في هذا المعني كثيييرا وتوصلت لمعاني مماثلة لما كتبتي يا عريزتي خلود اشكرك علي المقال وبالتوفيق دائما
أنا أريد الاشتراك بالدورة الجديدة غدا
المقال رررررائع جدااا كنت افكر كثيييرا وتوصلت لهذه الاجابات منذ فترة شكراااا لك وبالتوفيق دائما
سبحان الله أروع وأبلغ مقال قرأته عن الغربه
أسأل الله العظيم أن يجمعنا في جنة الفردوس
وقد تشعر بالغربة وأنت في وطنك ، وقد تخرج منها ، وتظل غريبا .. وتتسرب من بين أيدينا أجمل أيام العمر ونحمل فوق أكتافنا حقيبة ذكرياتنا ، نسافر بها من… اقرئي المزيد »
أجمل ما قد يحدث لإنسان في نظري و حدث معي أن تسألي الله فيرمي في قلبك الحكمة الجواب الذي لن يعطيك اياه بشر فتبصرين بقلبك و عقلك فهما يجعلك تتمنين… اقرئي المزيد »
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته جزاك الله خيرا مقالتك كعادتها رائعة بصرتينا بحقية الوطن الحقيقي ألا وهو الجنة ودفع الثمن لها فقط يا استاذة اطال الله في عمرك وبارك… اقرئي المزيد »
من أجمل ماقرأت لك استاذتنا المبدعة خلود.،انا مغتربة حاليا وافكر بالتشابه بين هذه الغربة من ناحية ان اقامتنا مؤقتة وغير ثابتة وارى كيف يلوم بعضنا بعضا عندما يسرف في الغربة… اقرئي المزيد »
مبدعة كالعادة وكلماتك تنساب في ثنايا راسي باريحية
وقد نشعر احيانا بالغربة عن كل مايحيط بناحتى وان لم نغترب مكانيا .
ونحن سنبقى في غربة مالم نرجع الى الله
مقال جميل و أبعاده أجمل .. شكرا .. و لكن برأيي يبقى الوطن الأصل في الدنيا غال مهما تنقلنا في بلدان العالم .. نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما… اقرئي المزيد »
مقال رااائع أحسست بكل كلمة فيه ولامستني لأنى عشت بالغربة ( أو ما نسميه نحن غربة ) فترة من الزمن وفعلا أحسست بكل هذه المشاعر التي وصفتها ببراعة وها أنا… اقرئي المزيد »
كلامك يلمس القلوب .فعلا نحن كل منا في غربة من نوع مختلف .اتمنى لك التوفيق .
رااااائعة كما العادة أنتي .. تلامسين القلوب والحياة والواقع الدي نعيشه وكأنك معنا وكأنك تخاطبينا فردا فردا
هونتِ الغربة علينا وأنرتي العيون والقلوب
دمتي مبدعة
اول مره اتعمق في فكره الغربه معك لقد خففتي وقعها علي وفسرتي صبرنا علي الدنيا
أدركت هذه الحقيقة بعد خروجي من سوريا بالرغم من صغر سني وسبحان الله عندما نصل لهذه القناعة تصبح عقولنا و مشاعرنا أوعى و أقوى على تقبل التغيير .. وصدق حبيبنا… اقرئي المزيد »
صدقت، انا كفلسطينية أصبح السؤال من أين أنت صعب الإجابة، صار جوابي انا ابنة هذه الأرض ومن كل مكان فيها، أوطاننا أعمالنا، بارك الله في عمرك وأبقى موقع استروجينات صدقة… اقرئي المزيد »
صدقت استاذتي ، دائما اقول لنفسي انا سفيرة الله على أرضه وماهي الا سنوات واعود لخالقي . تعبيرك عن الغربة الحقيقة والوطن الحقيقي جعلني اتفكر في الثمن الذي ادفعه كل… اقرئي المزيد »
فعلاً الدنيا محطات. و الجنة هي موطننا و إليها نعود. منها خُلق أبونا آدم، ثم نزل إلى الأرض ليستعمرها بإمكانياته التي وهبه إياها الله تعالى، و هذا حالنا كلنا. للأسف… اقرئي المزيد »