حبيبي يا رسول الله..
اليوم جاءتتا رغد مرة أخرى.. ملامحها متجهمة.. وقفت بجوار أمها في صمت.. وأمها تتجادل معي حول أخذ موعد عاجل لم يكن من حقها..
حاولتُ الحفاظ على هدوئي.. وأنا أختلس النظر إلى “رغد” ذات الخمسة عشر ربيعاً..
كانت سمراء.. ممتلئة.. ملامحها أقل من عادية.. وجهها منطفئ.. ككل مرة..
أخذت أمها الموعد بعد عناء.. وجلست مع ابنتها في القاعة بانتظار أن ننادي على اسم ابنتها “رغد”..
حاولتُ التماسك وأنا تتناهى إلى مسامعي بعض الألفاظ الرديئة من أم “رغد”..
تذم مرة لون بشرتها.. ومرة أخرى بدانتها.. دون أن تنسى انتقاد تفاصيل عينيها أو أنفها..
و”رغد” تزداد انكماشاً في مقعدها وتتظاهر أنها لا مبالية على جوّالها.. لكن نقراتها العصبية على الشاشة فضحت توترها وإحباطها..
أتدري ما خطر ببالي في تلك اللحظة يا رسول الله؟
خطر ببالي “زاهر” وهو يأتيك بالهدايا من البادية.. وكانت تدخل السرور إلى قلبك..
فتقول له: (إن “زاهراً” باديتنا ونحن حاضروه)..
فتجمع له من حاضرك الهدايا ليأخذها معه إلى البادية.. جبراً بخاطره.. وإدخالاً للسرور على قلبه..
ثم تخيلتُ يا رسول الله.. منظر “زاهر”.. وهو في السوق يبيع ويشتري..
أصوات الباعة والمشترين تتطاير عبر الأجواء.. والكل يتنافس ليشتري الأغلى والأنفس..
بينما حال زاهر.. أشبه بحال “رغد” ربما.. في دمامته.. لون بشرته.. أو شكل جسمه..
فأتيتَه أنت.. تتسلل بخفة.. تريد أن تداعبه بمفاجأة طريفة..
ما ألطفك وأرق قلبك يا رسول الله!
أو لديك الوقت لتفكر في هذه التفاصيل وأنتَ تتجول في السوق لتشتري حاجتك؟
تأتيه من خلفه.. فتحتضنه بقوة على حين غرة.. فيتجمد من مفاجأتك..
حتى يشتم عطر مسكُك.. وديباجة يديك على عينيه.. فيفطن إلى النبي الكريم خلفه.. فيزداد التصاقاً بك.. لا يريد فكاكاً منك!
تبتسم مداعباً وأنت تنادي عليه في السوق: (من يشتري العبد؟) من يشتري العبد؟
وينقبض قلب زاهر.. حينما يتذكر دمامته.. وينكمش خجلاً من بضاعته المزجاة.. فلا يستطيع مجاراتك في الضحك..
فيجيبك بانكسار: إذن تجدني كاسداً!!
ودون ذرة تردد.. ترد عليه بجملة يطير لها صوابه: (لكنك عند الله غالٍ)!!!!!
يا حظ دمامة زاهر.. وهي تشهد لة يوم القيامة أنها دمامة غالية..
يا حظ دمامة زاهر.. وهي أثقل عند الله من شكله وظاهره.. فلا يلقي لها الله ولا رسوله بالاًَ..
يا حظ دمامة زاهر.. وقد كانت مضرباً لنا عبر العصور.. أنه ليس بقالبه.. إنما بقلبه.. بجوهره.. بحشاشة نفسه!
ويا حظ أصحابك بك.. وأنت تداعبهم وسط انشغالاتك.. حتى قال عنك عمك العباس -رضي الله عنه-:
(مَزَح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار المزْح سنَّة)..
أو تعرف يا رسول الله؟
إننا كنساء.. لنتوق لكلمة طيبة.. لو على سبيل المجاملة..
نعرف أننا ازددنا وزناً.. أو خف شعر رأسنا.. أو ظهرت الحبوب في وجهنا..
تظهر علينا تجاعيد الشيخوخة.. ويغزو الشيب رأسنا ربما..
لكننا نتوق لمن يلهينا عن هذه الحقائق التي نبصرها في المرآة كل يوم..
ويذكرنا بغلائنا عند خالقنا بقلوبنا وأعمالنا!
تذكرتُ الزوج الذي جاءته زوجته كإعصار يكتسح الأخضر واليابس.. تتفجر عيونها بكاء ونحيباً..
فقال لها: إن وجهك هو ثاني أجمل وجه في العالم..
لتتوقف فجأة عن العويل والبكاء.. وتصيح به مستنكرة: وما هو أجمل وجه؟
فيجيبها ببساطة: إنه وجهك عندما يبتسم!
أحببتُ اتباع هذا الزوج لسنتك يا رسول الله في إدخال السرور لقلب امرأته..
وأتساءل:
هل من الصعب علينا أن ندس طيب الكلام والنكت والمزاح في حواراتنا عوضاً عن التنمر وإبراز العيوب والتكشير عن النواقص؟
يحزنني يا رسول الله أن كل مقاييسنا حالياً صارت بنوعية الفلاتر.. وعدد اللايكات والمتابعات..
قيمتنا على الشاشات الآن.. فيما أثبتته عدسات كاميراتنا.. فنسجل كل ما “نتظاهر” به لحظة بلحظة..
ما نفعله مع أولادنا..
ما نقوم به مع أزواجنا..
ما نطبخه على موائدنا..
ما نزين به بيوتنا..
وما نتباهى به في رحلاتنا..
حتى ما نختلقه من بطولات وأخلاق!
ولو شققتَ عن قلوبنا اليوم يا رسول الله.. لربما وجدت البضاعة المزجاة حقاً !!
ويؤلمني يا رسول الله.. أنه في الجهة المقابلة.. وخلف الشاشة..
الكثيييير من الوجوه الحزينة.. والقلوب المتعبة.. بسبب مقارناتها بين نفسها وغيرها..
وربما كان وجع المقارنة من المقربين أدمى وأنكى.. عندما يقارن أو يعيب الأقارب.. فيصيبوا الروح في مقتل!
كم من سلعة كاسدة بيننا يا رسول الله..
اشتريناها بأضعاف ما تستحق؟!
وكم من سلعة غالية مدفونة بيننا..
هي بحاجة لاحتضان حاني.. ولفتة مداعبة.. وتقدير جميل؟!
🌸 🌸 🌸
وقتُ السحور..
أغلقتُ الدفتر الأصفر ودسسته أسفل الملفات بسرعة عندما اتصلت بي مسؤولة قسم الأورام بطلب بعض المعلومات..
اقترحتُ أن أمر عليها بالأوراق..
وهناك..
كان “أحلام” فتاة بالعشرينات.. تتمشى مع محاليلها في الممرات وسط سكون الليل..
تدعو الله أن يخفف عنها الآلام..
سلمتُ عليها بمرح.. واقترحت أن آتي لها ببعض القهوة من المكينة بنهاية الممر..
ابتسمت وهي تمط شفتيها.. فالقهوة غير مسموحة لحالتها..
هنا همستُ في أذنها مداعبة: أعدك لن يكتشف أحد.. سندسّ القهوة في المحاليل.. وستصلك للوريد مباشرة!
ضحكنا معاً.. تحدثت معها عدة دقائق.. ثم هممتُ بالمغادرة..
هنا رفعتُ يدها.. وقبضتُ يدي لأضرب قبضة يدها كنوع من التشجيع:
– هيييه أحلام.. لا تنسي.. أنتِ عند الله غالية.. بإيمانك.. بيقينك.. بصبرك.. بإخلاصك في عملك..
أنتِ عنده غالية ❤️
وهرولت عائدة لمكاني قبل أن تكتشف غيابي شريكتي “ندى”.
يتبع…
اليوم اكتشفت مدونتك … فكنت في فرحي بها كمن اكتشف كنزا… الحمدلله أن مازال في الدنيا خير… أكثر ما أحببت هو ربط واقعنا بسيرة نبينا ، مما يختزل علينا المسافات… اقرئي المزيد »
نرى مدى جهلنا*
هذه ثاني مرة أقرأ فيها هذه اليومية. أحب كل اليوميات و كم وددتُ أنها بعدد أيام الشهر الفضيل و الجود في الموجود ❤️ كل يومية تجعلنا نعيد التفكير و التأمل… اقرئي المزيد »
…لكن _عند الله_ لست بكاسد ما اجملك يا حبيبي يا رسول الله و ما ارفقك بخلق الله لا اعرف لم افكر في بمشاعر زاهر ربما لانني اضع نفسي مكانه و… اقرئي المزيد »
يحزنني الامر فعلا لماذا نعيش في بيئة منتقدة بشكل كبير نحن ايضا ننتقد وننتقد حتى نسينا حلاوة الحياة اللهم ردنا اليك ردا جميلا اللهم انا نسالك حبك وحب من يحبك… اقرئي المزيد »
راااااائع
خصوصا الربط بين حياتنا الان وقصص النبي صلى الله عليه وسلم
جزاك الله خيرا
جعلتي دموعي تسيل
رائعة
هذه المره الأولى التي أقرأ قصة سيدنا محمد مع زاهر ..وسبحان الله لاأدري لماذا أعتقدت هذه القصه رساله لي من الله ….
اللهم أحسن أخلاقنا كما أحسنت خلقنا
انت عندنا وعند الله غالية يا أستاذة خلود ♥️i
رائعه كعادتك استاذه خلود جزاكي الله خير الجزاء ❤️
جزاكم الله خيرا ، فليحرص كل شخص أن يتذكر عندما يصيبه إحباط من الآخرين أن الأهم أن تكون عند الله غالى .
كلام رائع ماشاء الله فيه فوائد كثيرة
جزاك الله خيراً
هذه المرة الأولى التي اسمع فيها قصة الرسول صل الله عليه وسلم مع زاهر… والله من اجمل قرأت اليوم… استوقفتني عدة مواقف في المقال، وكم انه يتحدث عن واقعنا الأليم… اقرئي المزيد »
جميل جداً.. تجدد حبي للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أقرأ..
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
“أنتِ عند الله غالية” كانه الكلام كان موجه لي ولكل قارئة.. لا شعورياً بتخليكي تحسي انه بدك تكوني احسن وتخلصي كل ما تقومين به له سبحانه وتعالى رائعة أ. خلود… اقرئي المزيد »
فعلا نحن النساء بحاجة الى من يرى الجانب الرائع فينا رغم التراكمات الدهنية والتجاعيد الظاهرة .. ابدعت أستاذة خلود ان شاء الله تكون البضاعة عند الله غالية .. وأن كانت… اقرئي المزيد »
متميزه كعادتك وكلماتك تدخل القلب مباشرة وتستقر ف العقل
مبدا الفكرة الواحدة هو كيف اكون عند الله غاليه ؟
جزاك الله الجنة علي كل مجهود تبذلينه
أنت ِعند الله غالية.. بإيمانك.. بيقينك.. بصبرك.. بإخلاصك في عملك.. أنت عنده غالية ❤️
(ولكنك عند الله غال.). أثارت في نفسي تساؤلاً.. بماذا استحق أن يكون عند الله غالٍ؟ وكيف أكون عند الله غالية ؟ كما عودتينا أستاذتي الجميلة لابد أن نرجع لأنفسنا ونستخلص… اقرئي المزيد »
كالعادة ياأستاذة خلود كلماتك تدغدغ القلوب فكيف إن كانت عن رسول الله وخلقه صلى الله عليه وسلم
مقال جميل جدا وفيه عبر قد نسينها وهي الكلمة الطيبه والمزحه الخفيفه التى تخفف عن الاخرين الالم ايضاً هناك درروس عن التربية وتاثير الانتقاد اللاذع للاطفال واهم درس اسوتنا برسول… اقرئي المزيد »
اللهّم صلّ و سلّم على أشرف الخلق الحبيب محمد و على آله و صحبه أجمعين . ما أجمل إحساسك أستاذة خلود و كم هو جميل أن تشاركينا مع كل مقال… اقرئي المزيد »
انت انسانة رائعة بكل معنى الكلمة الله يسعد قلبك ويجعلك سبب لتغيير العدد الاكبر من النساء مثل ما غيرتيني
احبك في الله