المستشفى مزدحم هذه الليلة.. امتلأت قاعة الانتظار بالكثير من المرضى..
وبينما موظفة الاستقبال “رزان” مشغولة تراجع شاشة الكمبيوتر أمامها إذ تقدم إليها رجل في أواخر الثلاثينات مع زوجته الحامل في شهرها السابع أو الثامن..
كان واضحاً على وجهها الألم.. ربما لانقباضات مفاجئة.. فجاءت لتطمئن.. هكذا خطر ببال “رزان”..
أدخلت “رزان” بياناتها ثم وجهتها باتجاه الطوارئ.. وما إن غادر الزوجان.. حتى همست زميلتها “ندى” في خبث:
– بسسست.. هيه.. هل رأيتِ الرجل؟ لقد كاد يأكلك بنظراته 😏
اصفر وجه “رزان” وتحسست حجابها وثيابها خشية أن يكون هناك مصدر فتنة منها.. ثم سألتها بدهشة:
– عفواً؟ كيف؟ وزوجته الحامل بجواره؟
مطت “ندى” شفتيها وهي تغمغم:
– والله زمن ما عادت الرجال تستحي فيه.. لا خلف زوجة ولا أمامها.. لقد كان يفتل شواربه وذقنه وهو يبصبص ناحيتك محاولاً إثارة انتباهك من خلفها.. لكنك كنتِ مشغولة مع زوجته..
امتعضت “رزان” وهي تراقب من بعيد ذلك الزوج الجالس مع زوجته.. ولاحظته يبصبص باتجاه كل امرأة تمر أمامه.. ويرفع رأسه ويخفضها ليدقق في تفاصيل مشيتها أو جسدها.. ويوزع ابتسامات مدروسة لعله يحظى بابتسامة بالمثل..
وتعجبت “رزان” لشأن زوجته..
هل تلاحظ هي ذلك؟ هل أعماها ألم الحمل؟ أم هي تدري وتتغاضى؟
هل وهل؟
استغفرت الله بينها وبين نفسها.. واستأذنت زميلتها لإحضار بعض القهوة..
واختطفت الدفتر الأصفر لتقرؤه في طريقها باتجاه مكينة القهوة..
🌸 🌸 🌸
حبيبي يا رسول الله..
اليوم اتصلت بي صديقتي “بتول” التي تزوجت حديثاً..
لم يمضِ على زواجها عدة أشهر.. واكتشفت أن زوجها بصباص.. يطلق نظره باتجاه النساء في كل مكان يذهبان إليه.. ويتعامل بأريحية مبالغ فيها مع كل امرأة تعمل معه.. أو حتى يلتقيها.. ويتحول لمخلوق مهذب خفيف الظل وظريف مع كل من يتابعهن من النساء في محادثاته على فيسبوك وانستقرام..
اشتكت لي وهي تبكي بمرارة كم أن الأمر يجرحها ويهينها.. وهو يفعل هكذا دون ذرة خجل..
وقالت لي وغصة في حلقها.. أنها مهما احتدت أو غضبت ومهما حاولت نصحه ولفت انتباهه.. لكنه كان يصدمها بجوابه أنه صاحب القوامة وهو المسؤول عنها.. وأنه حر في تصرفاته أعجبتها أم لم تعجبها. أما هي.. فهي تحت وصايته.. ولا يحق لها توجيهه أو نصحه أو إعطاءه المواعظ! (حدث بالفعل)
عجيب أمر بعض الرجال في زمننا يا رسول الله!
فالكثير من خطابهم الديني اليوم يتمحور حول لباس المرأة وضرورة احتشامها وتغطية وجهها ربما..
لكن نادراً..
نادراً ما نجد خطاباً بنفس الحجم والتركيز والاهتمام.. يحض الرجال على غض البصر في المقابل!
وكأن الرجال يجدون صعوبة هائلة في فعل ذلك.. فنزعوا هذا العبء عن كاهلهم ليحملوه ويلزموه الطرف الآخر الأضعف -النساء- حد الاختناق.. مع متابعة إطلاق بصرهم.. خلف حدود الخجل والحياء!!!!
المكان: صعيد مِنى..
الزمان: يوم النحر..
اجتمع شرف الزمان والمكان… وأنت سيد الخلق تتهادى فوق ناقتك.. وقد أردفت خلفك ابن عمك الفضل بن عباس (رضي الله عنهما)..
وقفتَ ذلك اليوم تفتي في الناس.. يأتونك أفواجاً..
حتى أقبلت عليك امرأة من بني خثعم.. وضيئة الوجه.. جميلة.. تستفتيك..
أتذكر يا رسول الله؟
كان الفضل وضئ الوجه أيضاً.. فأعجبه حسنها.. فطفق ينظر إليها.. ما استطاع أن يصرف بصره.. ولا هي صرفت بصرها..
فحانت منك التفاتة للفضل من خلفك.. لتفهم المشهد بأكمله..
فماذا فعلت يا طب القلوب ودواءها؟
ما كان منك إلا أن أمسكت ذقنه برفق لتعدل وجهه عنها..
لم تعاتب ولم تزجر ولم تنهر.. لا الصحابية التي أمامك.. ولا الصحابي الذي خلفك..
ببساطة صرفت اتجاه بصره. فاللبيب يفهم بالإشارة..
والصحابة يرقبون فعلك مع الفضل.. وينقلون لنا المشهد بحذافيره.. مع اسم صاحبه.. ورحمة ولين ورفق سيده ونبيه..
صلى الله عليك وسلم..
الأجمل هو لهفتك وخوفك على ما يخدش قلب الإثنين..
فتوضح لأصحابك بعد المشهد بقولك (رأيت غلاماً حدثاً وجارية حدثة، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان)
ما أرق قلبك..
ما أشد حرصك..
ما أجلّ رحمتك..
فداك أبي وأمي يا رسول الله..
تعرف ضعف الرجال.. فتعينهم على أنفسهم.. وتخاطبهم بالسلاح الأوحد:
أن غُض بصرك يا فتى!
ثم غُض بصرك..
ثم غُض بصرك!
أين رجالنا عنك يا رسول الله.. ليتعلموا غض البصر؟
((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)
يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)))
تذكرتُ قول الله تعالى الذي أنزله عليك.. قوله الذي يحمل أسمى معاني الرحمة واللطف بنا..
يريد أن يتوب علينا.. يريد أن يخفف عنا.. لأنه يعلم ضعفنا أمام الجنس الآخر..
ومهما كان من أعتى الرجال.. وأتقاهم.. وأصبرهم.. وأكثرهم تحضراً ورقياً وتماسكاً (جدلاً..)
يظل ضعيفاً.. ما لم يتبع إرادة الله.. في تشريع غض البصر..
يريد أن يتوب عليكم.. يريد أن يخفف عنكم..
فالزموا ببساطة غض البصر..
هل تعلم يا رسول الله أن غض البصر نحتاجه في كل مناحي حياتنا..
لأنه صار باباً لكل فتن جيلنا الحالية..
فتن النساء.. وفتن الرجال..
فتن المقارنات..
فتن المظاهر..
فتن المسلسلات..
فتن المال والبنين..
فتن الأملاك والشهوات..
فتن المتابعات واللايكات وحسابات السوشيال ميديا..
فتن البريد الخاص.. والشات.. والمحادثات خلف الشاشات!
كل تلك الفتن.. تحتاج شيئاً واحداً لكبح جماحها.. وإغلاق أعتى الأبواب في وجهها:
باب البلوك وغض البصر!
بس.. بلوك.. وغض البصر..!
والله إنها لفريضة منسية يا رسول الله..
فريضة تجاهلها الرجال المطالَبون بها “ابتداء”.. لأنهم يلهثون خلف مشروع سنة المثنى والثلاث والرباع..
فكانت أولى خطوة من خطوات الشيطان يتبعونها: أنا أبحث عن الحلال.. أين المشكلة؟
والزوجة المسكينة.. تعاني الضغط والسكر والقولون العصبي.. وهي تلاحق مسلسلات زوجها في ملاحقة النساء!
والأم المنهكة.. تعاني حرقة الدم والأعصاب.. وهي تلاحق ابنها المراهق والشاب في صولاته وجولاته مع …………
اييييه يا رسول الله 💔
إن إيلاف الأنف للرائحة العطنة العفنة.. يُفقده الإحساس بالعفونة أساساً..
والأقدام التي اعتادت الخوض في مستنقع النجاسة.. لا تعرف معنى الأرض الطاهرة أصلاً!
والشباب والأزواج الغارقون في بيئة تدعم إطلاق البصر.. بل وتشجع عليه.. من صحبة فاسدة.. وسهولة الوصول إلى الحرام..
هؤلاء لا يعون حجم الجريمة التي يرتكبونها في حق أنفسهم.. وحق نسائهم (زوجات وأمهات وبنات).. وحق المجتمع حولهم..
لأن إيلاف المعصية هو المصيبة..
تعوّد “عدم” غض البصر هو الكارثة..
فصار عادياً.. استهجانهم لأصحاب “القلوب السليمة”.. أصحاب الفطر السوية.. التي ترفض الحرام.. ولا تتبع خطوات الشيطان.. وتنادي بعذرية القلب والجوارح.. وتدعو لغض البصر وحفظ الفرج..
والأنكى.. أنهم لا يألون جهداً في إغرائهم وإغوائهم بالمفاسد من خمر ونساء وشهوات.. وكأنهم أعوان الشيطان نفسه.. ليتشارك الجميع الخوض في مستنقع النجاسة ذاته..
ولا أحد أحسن من أحد!
للأسف يا رسول الله..
علمتها الفضل بن عباس قبل ١٤٠٠ عام.. في أشرف زمان ومكان..
أمام كل صحابتك.. وكل من اتبعك بعدهم:
إقلب ذقنك.. اصرف بصرك.. هذا ما يحتاجه الرجل أمام امرأة لا تحل له. نقطة.
ولو فعلها الرجال اليوم.. لبارت سلع الأجساد العارية.. وكسدت صناعة مفاتن النساء التي أنهكت أبصارنا.. وزكمت أنوفنا!
لتركوا الشات مع النساء..
لتركوا قنوات الخراب ومسلسلات الفساد..
لأكرموا نساءهم وبناتهم وزوجاتهم وعفّوا جوارحهن ومشاعرهن!
وعندما علمتنا يا رسول الله..
أن الحلال بيّن والحرام بيّن.. وبينهما مشتبهات..
ردفت حديثك بجملة لا أنساها:
(أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)
وكأنك تقول لنا: أن إصلاح البصر.. لا يبدأ إلا عند القلب..
وإصلاح السمع.. لا يمر إلا عبر القلب..
قلب معافى..
قلب طاهر..
قلب سليم..
هنا البداية حقاً.
🌸 🌸 🌸
التفتت “رزان” بعد أن عبأت قهوتها عائدة إلى مكتب الاستقبال.. فإذا الزوج قادم باتجاهها يلقي عليها التحية بابتسامة خبيثة ورائحة عطره الليلية زكمت أنفها.. وبادرها بالسؤال عن حالها.. وإن كان باستطاعته الحصول على رقم جوّالها..
رفعت “رزان” حاجبيها.. ثم أجابته ببرود:
– اه.. بالتأكيد لا مانع..
ثم تابعت دون تردد:
– رقمي هو : ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ))
وتركته خلفها وهي تشرب بيد قهوتها..
وبيدها الأخرى الدفتر الأصفر.
يتبع..
مقال رائع بحاجة لنشره في كل وسائل التواصل الإلكترونية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما شاء الله المقال جدا جميل بورك سعيك أستاذة خلود ❤️ الأمر محزن فعلا، الادهى والأمر أن هؤلاء لم يتربوا على قال الله وقال الرسول،… اقرئي المزيد »
جزاك الله كل خير انتظر مقالات بكل شوق
ما احوجنا ان نحتوي بناتنا بكل حب و نشبعهن الكلام الجميل و ندفىء مشاعرهن و نطبطب عليهن بكل حب حتى لا يكن عرضة لذئاب تنهشهن بلا رحمة اللهم احفظ بنات… اقرئي المزيد »
القصة رائعة جدًا حبييييتها مرة
قصة اليوم رائعه ومن قلب الحياة اليوميه قصة اتمنى ان يقرأها الرجال ويقتدوا بما عمله رسول الله ..لكن اعجبني ايضاً رد رزان ردها درس لكل فتاة اليوم تعمل وتواجه مثل… اقرئي المزيد »
كالعادة أسأل نفسي (هل أنا أغض بصري؟ ) أتذكر الآن. كيف أجاهدلصرف نظري ونظر زوجي وأولادي عما لايجوز؟ نحتاج بلوك فقط. اللهم قلباً سليماً.. جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع… اقرئي المزيد »
اول ما جاء ببالي هو ابني ذو السبع سنوات وكيف اني بدون وعي اعوده على استباحة النظر نعم اعلمه لا تمد يدك على فتاة عامل اخواتك باللين لكني تركته يشاهد… اقرئي المزيد »
اللهم ردنا و المسلمين و المسلمات لدينك ردا جميلا
اللهم املأ قلوبنا بالايمان ، اطلاق البصر هي بداية الذنب ثم تتوالى الذنوب تباعا
وكان باستطاعتنا تفاديها بغض البصر
الله يهدي رجالنا ويصلحهم.. وفعلاً صار غض البصر ضرورة غير متعارف عليها .. الكل يمشي ويتبصبص..
جميل جداً المقطع .. بانتظار البقية ❤️
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته سلمت أناملك يا أُخيه و بوركتِ .. نقلتي لنا أجمل الصور بطريقة فنية رااائعة و ربط متناسق فريد .. و الله لو انه… اقرئي المزيد »
رائعة استاذة خلود فعلا واقع أليم يجعلنا نخاف على ابنائنا وبناتنا من المستقبل ونحاول ان نتمسك بالدعاء لهم.. اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعلهم من الصالحين المصلحين… اقرئي المزيد »
رائعة! احلى شي رد رزان (وبدون تردد) .. كمان انه تتعلم البنت كيف تقطع المجال من اوله وتكون قوية في ردها عند هذه المواقف .. موضوع لما يكون الرجل صالح… اقرئي المزيد »
الله يكثر من امثالك
الله يهدي الشباب للطريق الصحيح ويهدينا نحن كأمهات لاطفال صغار اولاد وبنات حتى نربي جيل يقتدي برسول الله جيل يغض البصر
اللهم وفقنا لما تحب وترضاه
ياسبحان الله فضل عملها وكانت ردة فعل رسول الله ..فقط الامساك بذقنه وصرف بصره ..أين رجالنا من هذا ..لا يدري الرجل أين ومتى يسترق النظر إلى إمرإه جديده