***
بمجرد أن عادت “رزان” إلى مكتب الاستقبال صاحت بها زميلتها “ندى” على عجل:
– أين كنتِ طوال هذا الوقت؟ بسرعة أوصلي هذا الملف إلى قسم العظام..
تضايقت “رزان” من أسلوبها، لكنها أخذت الملف واتجهت مع قهوتها ودفترها إلى القسم، وصلت واستقبلتها بعض الممرضات المناوبات هناك.. عرضن عليها بعض الشاي.. لكنها أشارت لهن بقهوتها مبتسمة..
وحانت منها التفاتة للغرفة المواجهة لمكتب استقبال الممرضات.. كان بابها مفتوحاً..
سمعت بعض الضحكات.. وهو ما كان غريباً على مسمعها وسط سكون الليل..
اشرأبت بعنقها تحاول الاستفهام..
كان رجلاً يجلس في مقابل سرير المريض.. لم تستطع رؤية المريض… لكنها رأت الرجل وهو يداعبه ويضحك معه.. ويحاول التسرية عنه..
سألت “رزان” الممرضة من باب الفضول:
– من الذي يسكن بتلك الغرفة يا “منار”؟
أجابتها “منار” وهي تقضم سندويشتها مع الشاي:
– تلك الغرفة؟ يا إلهي.. لقد صدع رأسنا ذلك الرجل وهو يتفاعل ويضحك ويمازح زوجته..
“رزان” بدهشة:
– زوجته؟
“منار” تتابع:
– نعم.. أصيبت زوجته بكسر في ساقها وهي هنا منذ أسبوعين.. وزوجها هو أكثر من يخدمها ويعاونها في حاجاتها..
ثم أردفت بصوت تملؤه الحسرة:
– والله لولا هذا الرجل لفقدت الأمل في الرجال جميعاً.. ما شاء الله لا يكلّ ولا يملّ وهو بقربها محاولاً إسعادها..
تمتمت “رزان” بتعجب:
– واضح أنهما لا يزالان عروسين…
أجابتها “منار” بحدة واللقمة تكاد تتناثر من فمها:
– يالييييت.. لارتاح قلبي.. هذه المرأة أربعينة وعندها دستة أولاد.. وهما متزوجان لأكثر من ١٥ عاماً.. ومع ذلك لم أر شخصاً محباً وصبوراً ومتعاوناً لامرأته كهذا الزوج.. رغم أنها امرأة عادية.. لكنها الدنيا.. حظووووظ!
ترن عبارة “منار” الأخيرة في أذن “رزان”…. الدنيا حظوظ!
وداعبت أصابعها الدفتر الأصفر..
🌸 🌸 🌸
حبيبي يا رسول الله..
لا أنفك ابتسم كلما طاف ببالي قصة زواجك من أم سلمة (رضي الله عنها)..
هذه الصحابية التي عاشت قصة حب جميلة مع أبي سلمة..
حتى ظنت أنها لن تجد رجلاً أفضل منه بعده..
رغم أنه علّمها دعاءك عند المصيبة: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمّ عندك احتسبت مصيبتي فآجرني فيها وأبدلني بها ما هو خير منها)
إلا أن قلبها غصته المرارة وانعقد لسانها أمام احتضار زوجها وحبيبها..
فقالت الدعاء.. لكنها توقفت عند كلمة “وأبدلني بها ما هو خير منها”..
وتردد عقلها.. وهو لا يتصور من هو خير من أبي سلمة..
فما زالت تدافع هواجسها وأفكارها حتى قالتها..
سبحان الله..
أتخيلكما تتسامران لاحقاً بعد زواجكما.. وهي تحدثك قصتها مع هذا الدعاء 😃
العجيب أنها ما إن انقضت عدتها حتى تقدم لها أبو بكر ومن ثم عمر (رضي الله عنهما).. فلم تقبل بأي منهما!
يااااه.. ما كان أسهل جبر الأرملة والمطلقة في زمنك يا رسول الله!
وممن؟ من كبار الصحابة…!
ربما لأنهما أكثر من صاحبك.. وأكثر من فقها وتعلما هذا الدين منك؟
ويا للبشرى لأم سلمة.. عندما بعثتَ أنتَ تخطبها..
أتخيل كيف كان وقع الخبر عليها؟
ولذهولي.. ودهشتي أنا.. أنها.. رغم حلاوة البشرى لم تفقد توازنها.. وكانت صريحة معك (صلى الله عليك وسلم)..
فأرسلت تقول لك.. أن لديها صبية صغار.. ما يعني أنها ستكون “منشغلة” بهم..
وأنها امرأة غيْرى.. أي كثيرة الغيرة.. فلن تستطيع التأقلم مع زوجاتك الأخريات!
عجباً..
أرملة.. وتتشرط؟
كبيرة السن.. بأولادها.. وعيب غيرتها.. ولا تجدُ في ذلك بأساً في أن تقوله لك يا رسول الله؟
يتشدقون في أيامنا هذه عن المرأة القوية.. السترونغ إندبندنت.. وأن الإسلام هو من يسحب هذه الصلاحيات منها..
وأم سلمة.. وأنت تخطبها.. تصارحك بقوة تعلمتْها هي منك.. كأن لسان حالها يقول :اللي أوله شرط آخره نور.. فهل تقبلني هكذا؟!
أااخ يا رسول الله..
في زمننا.. كم من عيب ستره الخاطب (أو المخطوبة).. ليُفضح لاحقاً فيكدر صفو الزواج ويكون معول هدم له..
وكم من حال معروف للخاطب (أو المخطوبة).. فـ “يتظاهر” الطرف الآخر بتقبله.. ثم ينقلب بعد الزواج ويستخدم جميع أوراق الضغط الناعمة والخشنة لتغييره غصباً وكرهاً.. للأسف!
وأنتَ.. الحبيب المصطفى.. كيف كان ردك على هذه المرأة التي صارحتك بعيوبها ومشاكلها؟
هل نفرت؟ هل استنكرت؟ هل لوّحت بورقة “ألا يكفيكِ يا أرملة شرف الزواج من نبي” ؟؟
بل عكس ذلك كله..
بكل بساطة.. وحكمتك في فن إدارة الاختلاف.. أرسلتَ تقول لها: (أمّا قولك إني مُصْبِيَة فإنّ الله سيكفيك صبيانك، وأمّا قولك إني غَيْرَى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأمّا الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني)
ما أجمل رحمتك! وما أروع تواضعك.. فداك أبي وأمي يا رسول الله!
وكأني بها أشعر بحال لسان كل امرأة تشكو وتتذمر على غرار النساء في كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”.. وكل ما تحتاجه هو فقط شخص يستمع لها.. ويطمئنها.. أنها ستكون بخير.. وأنه سيكون بجوارها يدعمها..
اااااه.. كم تحتاج كل امرأة منا ذلك حقاً 😢
وأم سلمة (رضي الله عنها) ربما احتاجت أن تسمع هذه الكلمات منك أنت بالذات..
ربما كانت تتوقع بكلامها أن تدفعك لتتراجع عن الزواج منها.. فتقيك حرج الارتباط بمشاكلها وعيوبها..
وربما.. كانت تعرف يقيناً.. أنك لن تجيبها إلا بما يجبر خاطرها.. ويعكس قبولك بها “كما هي”..
فقبلتَ صبيانها.. وتعهدت برعايتهم..
وارتضيتَ عيبها.. لكنك أجبتها بأنك ستدعو لها أن يُذهب الله غيرتها.. رفقاً بحالها وحتى لا تُتعبها الغيرة وتؤلمها!
ولم تقبل أن تتزوجها بأقل من مهر أخواتها من زوجاتك (رضي الله عنهن جميعاً)..
فأمهرتها رحيين وجرّتين ووسادة من أدم حشوها ليف..
ما أرحمك..
ما أرق قلبك..
ما أعذب سماحة الدين الذي تدعو إليه ❤️
ويتم هذا الزواج المبارك.. ويحدّثنا بقية القصة العجيبة ابنها عمر بن أبي سلمة فيقول لنا أنك في كل مرة تأتيها بيتها.. تضع هي رضيعتها “زينب” في حجرها لترضعها.. دلالة على انشغالها بها..
هل كانت الأمومة؟ أم كانت تختبر قبولك بها بشروطها؟؟
لا أدري..
لكن تكرار ذلك الأمر في كل مرة تأتيها.. دفعك بكرمك وحيائك.. لتستحي.. فتتركها وترجع..
كنتَ في كل مرة.. تتركها.. وترجع..
لا تعليق.. لا لوم.. ولا عتاب.. ولا ندب.. ولا شجب.. ولا استنكار.. ولا انتقاد.. ولا سلق بلسان حاد!!!!!!!
إنكَ يا قدوة رجالنا.. وأزواجنا.. ما غضبت لنفسك أبداً..
وما كان لحظ نفسك نصيب في معاملاتك مع البشر..
فكنتَ دائماً تتفهم حاجة من أمامك.. تصبر عليها.. ومن ثمّ تديرها بذكاء.. أدناه التغافل.. وأعلاه الإحسان..
ثم تقول ما يفتح الله عليك من وحيه.. ما يطيب به الخاطر.. وتُسر به المشاعر..
المضحك في هذا الموقف الحرج.. أنك لم تعمل على تغييره..
وتركتَ أم سلمة “براحتها”.. التزاماً منك بشرط زواجها.. (فديتك يا حبيب الله)..
وتكرر الأمر وتكرر.. وأنت “صابر” عليها.. حتى فطن عمّار بن ياسر (وكان أخا أم سلمة لأمها) لفعلتها.. فاشتاط لتصرفها.. وسبقك مرة إلى بيتها.. لينتزع ابنتها “زينب” من حجرها.. قائلاً لها بغيظ: (دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله).. وفي رواية أخرى قال: (حُلْتِ بينَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبينَ حاجَتِه، هلُمَّ الصَّبيَّةَ)، فأخذها.. فاسترضع لها.
ودخلتَ على أم سلمة.. تقلّب بصرك في أنحاء البيت.. مستغرباً غياب “زينب” هذه المرة.. لكنك حريص على مشاعر أمها.. فتتساءل بصيغة الغزل والتدليل: (أين زُناب؟ ما فعلت زُناب؟)
أضحك الله سنك يا رسول الله.. ما أجمل أسلوبك ودعابتك.. فتخاطب زوجك الأرملة.. أم الأولاد.. الغيْرى.. وتحرص على مشاعرها كعروس جديدة فتدلل اسم ابنتها.. تريد أن تلاعبها!
ولا أدري.. أتلاعب الرضيعة.. أم أمها؟ فكلاهما أجمل من الآخر 😊
وأخيراً أمنا الحبيبة.. أم سلمة (رضي الله عنها).. تطمئنك أن عمّاراً قد أخذ الرضيعة خارج البيت..
فيختتم هذا المشهد كله.. بأجل وأكرم موقف منك.. عندما تقول لها (إني آتيكم الليلة)..
وكأنك تقول لها.. تجهزي.. تحضري.. وخذي وقتك.. فلن أقربك حتى تكوني مهيأة متهيئة.. مُقبلة مستبشرة..
لتعطينا أروع وأعظم درس يحتاجه كل زوجين: ((وقدموا لأنفسكم))!
ما أحلمك يا قدوة رجالنا وأزواجنا يا رسول الله!
ما أحوجهم ليتفطنوا سيرتك العطرة.. كلمة كلمة.. وخطوة خطوة..
بتفاصيل حياتك اليومية التي تبث الطمأنينة والراحة النفسية مع أزواجك!
فلا يكاد بيت من بيوتك يخلو من الحب والود والمداعبة والرحمة.. بأفعالك وسلوكياتك البسيطة..
التي لا يعجز أي رجل أو زوج.. من اتباعها وتقليدها!
وتختصر علينا العروس مشهد الحب الرقيق بينكما فتقول: (فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرّتي وأخرجت شحمًا فعصدته له، ثمّ بات ثمّ أصبح)
حبيبي يا رسول الله..
أسأل الله أن يرزق بيوتنا.. صبراً كصبرك..
وحلماً كحلمك..
ولطفاً في التعامل.. كلطفك..
عندها فقط.. لن يكون لدي أدنى شك..
أن ليالينا ستكون أشبه بالليلة التي غابت فيها “زُناب” 😌
يتبع..
قصه جمييييله وسردك أجمل صلى عليك الله يا خير الورى تعداد حبات الرمال واكثرا
صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم .. مقال رائع جدا جدا كل كلمة فيه، وما أحوجنا إلى ذلك اللطف فى التعامل والإحسان والتغافل .
المقال يقطر جمالاً وأُنساً ..وَ .. وَعياً 🙂
صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين
وسلم تسليماً كثيراً
حبيبي يا رسول الله ❤️
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بارك الله فيك أستاذة خلود… ما أجمل قلمك… من جمال الروح ♥️
اللهم صل وسلم وبارك على حبيبي محمد كنت قد قرأت عن امنا ام سلمة رضي الله عنها و ارضاها و لكني لم اعرف كل هذه التفاصيل الكثيرة و انتابني سؤال… اقرئي المزيد »
ماشاء الله حبيبي يارسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم
الله.. الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله قلبك الدافئ مازال يسع المسلمين والمسلمات حتى اليوم… كم هو جميل هذا المقال. راااائعة دائما أستاذة خلود.. والله يكفينا تطييب قلوبنا بأن نهج… اقرئي المزيد »
راقت لي بارك الله فيك
بارك الله فيك
والله معظم الرجال عل ايامنا ما يأخذون العبره والعظه الا في مثني وثلاث ورباع وتناسوا كل وصايا الرسول الجميله
الله يصلح رجال ونساء المسلمين يارب
شجعتيني ابحث عن هذة القصص واسردها لاطفالي عن رسول الله يارب يوفقني حتى اجعل الرسول قدوتهم