حبيبي يا رسول الله..
الليلة كانت هادئة في المستشفى.. لذا اجتمعنا للمرة الأولى نتناول الشاي مع بعض المعجنات أنا وزميلاتي في قسم الاستقبال والطوارئ..
وسألت إحدانا سؤالاً غريباً على سبيل التغيير.. وهو اللقب الذي يناديها به زوجها أو أهل زوجها.. وسمعتُ منهن عجباً..
قالت إحدى الممرضات والتي هي بالأصل من بلد آخر، وجاءت إلى هذا البلد بعد أن تزوجها زوجها.. أنهم يسمونها باسم بلدها.. لأنهم مستاؤون من زواج ابنهم من هذا البلد بالأساس!
وقالت أخرى أنهم ينادونها بالعادية.. كونها من طبقة أقل من طبقة زوجها.. أو حينما لا تستطيع التصرف حسب الأصول المطلوبة في أعرافهم المخملية..
وقالت ثالثة أن أم زوجها تناديها بابنة العائلة الفلانية، كنوع من التذكير بأصولها التي تختلف عن أصول أسرة زوجها..
أما الرابعة.. فقد أدهشني أن زوجها لا يناديها بأي لقب أصلاً.. بالذاااات أمام أهله أو ضيوفه، ويستعيض عن اسمها بمسميات على غرار: هييه.. أنتي.. يا امرأة.. وهكذا!
حبيبي يا رسول الله..
كم هو مؤسف أن تعيش الزوجة من إحدانا غربة مركبة بسبب أسلوب الخطاب أو المعاملة من قبل زوجها أو أهله أو المجتمع حولها بناء على خلفيتها أو شكلها أو بيئتها التي أتت منها.. رغم أنهم هم من اختاروها وتقدموا لطلبها!
وخطر ببالي قصة زواجك بأمّنا السيدة صفية بنت حيي بن أخطب (رضي الله عنها)..
فكانت يهودية.. وكانت ابنة ألد أعدائك.. وكانت سبيّة جارية بعد فتح خيبر..
اجتمعت فيها كل الصفات التي يمكن أن تجعلها منبوذة، وأقل النساء حظاً في المحبة والمودة من أزواجك..
لكن ليس معك..
ليس مع رسول الله (عليكَ أفضل الصلوات وأجلّ التسليم)..
ليس مع سيد البشر.. الذي كلما سنحت له الفرصة ليتعامل مع امرأة من أهل بيته.. تعامل معها كأكمل ما تكون.. وأرق ما تكون.. وأحب ما تكون..
فهذا أنس بن مالك.. ينقل لنا مشهداً حياً مباشراً.. من بين غبار حوافر الخيول والجمال.. وانشغال الجيش بالاستعداد للعودة إلى المدينة بعد فتح خيبر وبعد أن بنيت بزوجتك الجديدة “صفية” (رضي الله عنها) التي كان مهرها عتقها..
نقل لنا مشهداً لم يكن ليتخيله من قائد الجيش.. والنبي المعصوم.. وسيد الخلق..
ولم يكن هذا المشهد خاصاً به.. بل كان أمام جميع الصحابة (رضوان الله عليهم جميعاً)..
فكنتَ تحوّي (أي تفرش) عباءتك وراءك على بعيرك… ثم تنزل على ركبتك وتدعو “صفية” لتضع رِجلها على ركبتك الشريفة لتصعد على ظهر البعير..
سلّم نبوي طاهر.. لمن كانت قبل عدة أسابيع.. سبيّة يهودية ابنة العدو!
أتخيل أعناق أصحابك اشرأبت.. وعيونهم ككاميرات رصد دقيقة وهي تتابع المشهد..
أتخيل وجوه أصحابك من المهاجرين القرشيين.. الذين اعتادوا أن يغلبوا نساءهم (كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه).. وقد نسف موقفك أمامهم كل أعرافهم وتقاليدهم في التعامل مع نسائهم.. لتخط لهم أصول التعامل الإسلامي الراقي معهن منذ ذلك اليوم..
بل أتخيل وجوه أتباعك من أمتك اليوم..
أو تدري يا رسول الله؟
إن بعض الأزواج والشباب اليوم.. يتكئ بمجلسه في صالة بيته.. ليشاهد (على التلفاز أو هاتفه) الرجل المتحرر الجنتلمان الأنيق.. في الأفلام والمسلسلات والفيديوكليبات، وهو يفتح باب سيارته لامرأة (حبيبته وربما زوجته).. ويشترط المخرج في المشهد أن تكون هذه المرأة متبرجة.. يتطاير شعرها وعطرها.. ويبرز أعلى ساقها وهي تهبط بكعبها برشاقة أمام الجنتلمان إياه..
يتكرر هذا المشهد مراراً وتكراراً على مسمع وبصر رجالنا للأسف..
فيرتبط لديهم شعور الاحترام والتودد مع امرأة في الخارج سافرة متبرجة.. وليس مع زوجته العفيفة الغافلة الجالسة جواره!
ويرتبط لديهم سلوك الاحترام والتودد مع الغرب.. وكأننا “كبيوت مسلمين” لا علاقة لنا بذلك.. وليس علينا الالتزام بذلك.. فنكون متناقضين داخل بيوتنا.. وخارجها!
فتارة يتشدق بعضنا بالمدنية والتحضر في التعامل مع النساء على محافل السوشيال ميديا.. لكنه ينقلب للنقيض عندما يغلق دونه باب بيته!
وتارة يظن بعضنا أن احترامه وتقديره لزوجته “أمام أهله والآخرين”.. أو حتى النزول عند رغباتها.. هو تقليل لشأنه.. وانتقاص لرجولته.. وإفقاد لقوامته!!
وأنتَ يا رسول الله..
أمام جيشك ورجالك..
لا تخجل.. وتجد الأمر عفوياً جداً.. أن تهيئ مكان جلوس زوجتك.. وتنزل بركبتك.. لتكون هي السلّم لها.. لتصعد عليها بقدمها فتركب!
لا تخجل.. أن تتودد لزوجتك.. وتعاملها برفق يليق برقتها وأنوثتها..
لا تخجل.. أن تكون قدوة في ذلك أمام رجالك مهاجرينهم وأنصارهم..
لا تخجل.. أن ينقلوا هذا المشهد بحذافيره لأجيال المسلمين بعدك.. رغم محاولات الحقودين لطمس معالم هذا الجمال والأناقة وال”الجنتلة” في تعاملك!
حبيبي يا رسول الله..
إنك حتى لم تكتفِ بالتودد لزوجتك.. بل ذهبتَ لأبعد من ذلك.. فقالت عنك زوجتك “صفية” (رضي الله عنها) أنك كنتَ أبغض الناس إليها.. قَتلت زوجها وأباها وأخاها..
شعور صعب.. حقاً.. ولطالما تساءلتُ أنا.. كيف تقبلت هي ذلك؟
لكن المذهل.. أنها نقلت لنا ما فعلت معها.. فقالت أنك مازلت تعتذر إليها وتقول: ” إن أباك ألَّب علي العرب وفعل وفعل “.. حتى ذهب ذلك من نفسها!
أحقاً يا حبيب الله؟
ظللت تعتذر لها وتوضح.. وتقص عليها أفاعيل أبيها بك وتشرح.. حتى أذهبت ما في نفسها وطاب خاطرها تجاهك؟
سامحني يا رسول الله.. ولكن..
أنت النبي المعصوم.. المبعوث بالحق.. تقاتل بأمر الله.. وتقتل بأمر الله..
ومع ذلك.. تعتذر لزوجتك “صفية” وتعيد الشرح والتوضيح.. حتى يطيب خاطرها منك وتعاشرك وهي طيبة النفس تجاهك؟
أو لا تعلم أن هناك رجال من أمتك.. لا يعرفون للاعتذار طريقاً.. كبراً وعناداً؟
أو لا تعلم أن هناك رجال من أمتك.. يصلتون سيف “لعن الملائكة” على رقاب زوجاتهن.. ليجبروهن على معاشرتهم.. وهن لهم كارهات؟
فمنهم من يسب ويضرب أو ينتقد ويذم ويقدح.. ثم يأتي لفراشه ليلاً ويردد حديثاً (لا يحفظ غيره عنك) في لعن الملائكة إن هي أبت عنه وتمنّعت؟؟؟
وأنتَ.. النبي الكريم.. تعتذر لزوجتك (فيما هو ليس من واجبك) حتى ترضى نفسها عنك؟
وإنك لتُرضيها.. حتى لأنك لتعطل قافلة الحجيج كاملة لأجلها..
فكنتَ ذاهباً في حجة الوداع مع صحابتك وبعض أزواجك.. فيبطئ بعيرها ويبرك ولا يتحرك.. فتظل تبكي.. وطفقت أنت تكفكف دموعها بيديك.. وهي تزداد بكاء وأنتَ تنهاها.. حتى غضبت منها!
فأمرت القافلة كلها بالوقوف والنزول.. احتراماً لمشاعرها.. حتى تهدأ ويذهب حزنها.. واضطرت هي لاحقاً أن تسترضيك فتتوسط عند حبيبتك وضرتها أمّنا “عائشة” (رضي الله عنها) فتعطيها ليلتها حتى ترضى أنت عنها!
أيا رسول الله.. يعجز عقلي عن الوصف..!
يعجز حتى عن تخيل أناملك الشريفة كمنديل طري يمسح الدموع عن خدي زوجتك..
ولسانك الطاهر وهو يطيب خاطرها.. ويهدئ مشاعرها.. دون انتقاصها أو الاستخفاف بها..
وأنت أصلاً في عجلة من أمرك تقود قافلة يسير بها عشرات الآلاف محرمين للحج!
بل إنك يا رسول الله.. لترفض أن تتطاول عليها بعض أزواجك بتلقيبها باليهودية.. فتقول لها “وإنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك”
وإنك لترضيها.. وترضي جميع زوجاتك بلطف ورفق ورحمة.. حتى وصفك الله في قرآنه الذي أنزله عليك بأنك “تبتغي مرضات أزواجك” (سورة التحريم).. فنهاك أن تفعل ذلك في حال تحريمك لما أحله الله لك. بمعنى أن ربك “يتقبل” سعيك لإرضائهن.. على ألا يكون في ذلك تحريماً لحلال أحله لك.
وإنك لتحترمها وتقدرها.. فتناديها باسمها المجرد “هذه صفية زوجتي” أمام اثنين من صحابتك مررت أمامهما ليلاً.. ليعرفا أنك تتمشى مع زوجتك!
تتمشى معها ليلاً؟ حقاً؟؟
لا احتقار للاسم.. ولا نبز باللقب.. ولا لمز بالأصل.. ولا تعيير بالحال!
لتطير زوجتك سعادة وهي تشعر بالفخر والسرور والطمأنينة والسند والأمان وأنت بجوارها تدعمها!
أي مودة؟ أي رحمة؟ أي قوامة؟ 💔
🌸 🌸 🌸
رن جوّال “رزان” وسط سكون الليل.. إنه أخيها.. كعادته يشتكي من زوجته..
استمعت “رزان” له طويلاً.. حتى أفرغ حنقه وغضبه..
صمتت.. ثم همست له:
– أعلم مدى حنقك وغضبك.. لكن هذا الأسلوب لن ينفع.. أحدكما عليه أن يتنازل ويبدأ خطوة إيجابية..
جاء صوت أخيها هادراً:
– تمزحين؟ أنا أتنازل؟ خيراً إن شاء الله؟ أنا الرجل.. عليها طاعتي وبس.. من كانت هي ابنة الفلاني..؟
“رزان” تقاطعه برفق وحزم في نفس الوقت:
– اسمعني أخي الحبيب.. أتحب رسول الله؟
أجابها متعجباً:
– ومن منا لا يحبه؟
ابتسمت وتابعت:
– إذن ما رأيك أن تهدأ الآن.. وتؤجل غضبك لبعض الوقت.. وتأتيني غداً صباحاً بعد نهاية دوامي وتأخذني من المستشفى لنجلس في مكان هادئ.. وأحدثك عن الرسول الذي تحبه.. وما كان يفعله مع زوجته “صفية”؟!
صمت وتنهد:
– أي ساعة صباحاً؟
يتبع…
الرجل عمود الاسرة والمجتمع اذا فسد الرجل فسدت المجتمعات والاسر والرجال الحكماء هم من نجحو في احتواء المرأة وتماسك الاسر والمجتمعات ، سنعاني من هذي القضايا اكثر في السنوات القادمة… اقرئي المزيد »
فعلا والله لو كل الازواج اقتضوا بسنة الرسول ص في تعاملاته كلها لما حصلت المشاكل في البيوت لكن لا يعرفون الا مثنى وثلاث وحتى عندما يطبقون تجد الزوجة الظلم جزاءها… اقرئي المزيد »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بوركت أستاذة خلود وجزاك الله خيرا ❤️ تطرقت إلى أمر غاية في الخطورة (العلاقة بين الزوجين) لأن الأسرة لبنة المجتمع، فإذا كانت هشة كانت أمتنا… اقرئي المزيد »
اللهم صل وسلم على نبينا محمد ، فعلًا ولنا في سيرة الرسول الكريم تهذيب لحياتنا وقدوة لكل رجل وإمرأه
يالله .. صلى عليك الله ياعلم الهدى .. بارك الله بأيدي كتبت هذه الكلمات اقرأ بتمعن وهدوووء وجمل أعيد قراءتها مرتين وعندما انتهي من المقال أشعر انه لايكفي مرة واحدة… اقرئي المزيد »
هل نأسف على حالنا … ونندب حظنا مع رجالنا … ام ننظر الى ما بين ايدينا ونفكر … كيف يمكننا ان نحمي انفسنا من الانجرار وراء فساد عم وانتشر… كيف… اقرئي المزيد »
أظن أنه علينا أن نحسن من أخلاقنا و ندعو الله كثيرا حتى تكون بيوتنا جنة
لما بقرأ قصص من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، بفكر لوهلة هل ممكن ان يكون و يقتدوا رجال هذا الزمن بهذا الرجل العظيم و يعاملوا زوجاتهم… اقرئي المزيد »
عليه الصلاة والسلام . أثرتِ مشاعرنا بمقالك الجميل وازداد تعلقنا وحبنا لنبى الرحمة علية أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذى ضرب لنا أروع الأمثلة فى الرقى فى التعامل والتودد وحسن المعاملة… اقرئي المزيد »