الحلقات السابقة 👇🏻
للجنة يوتيرن -١- سلعة غالية
للجنة يوتيرن -٢- قلب سليم
للجنة يوتيرن -٣- عيب جميل
للجنة يوتيرن -٤- تودد واسترضاء
🌸 🌸 🌸
– تفضلي.. هاتِ ما عندك
فركت “رزان” عينيها محاولة طرد الإرهاق من مناوبتها في الليلة الماضية، ونظرت في وجه أخيها “رياض” الذي كان ينتظر منها إجابة تساعده في تجاوز مشاكله مع زوجته..
استعرضت في ذاكرتها كل التفاصيل التي قرأتها عن سيرة المصطفى ﷺ مع زوجته أم المؤمنين السيدة صفيّة (رضي الله عنها).. وطفقت تروي له ما قرأته بين طيات الدفتر الأصفر من خواطر لا تعرف من صاحبها أو صاحبتها حتى الآن..
ارتفع حاجبا “رياض” في دهشة:
– أحقاً؟ هل هذا ما كان يفعله الرسول مع صفيّة؟
“رزان” باستهجان:
– اسمه الرسول “عليه الصلاة والسلام”.. واسمها “أمّنا” السيدة صفية “رضي الله عنها”.. لا تفقد أدبك مع رسولك وآل بيته صلى الله عليهم وسلّم أجمعين.. وكل ما قلتُه لك صحيح ومذكور في كتب السنة الصحيحة.
صمت “رياض” في خجل.. فتابعت “رزان”:
– أتدري ما مشكلتك يا رياض؟ إنك تنصب نفسك في مقام أعلى من زوجتك، على اعتبار أنك صاحب القوامة.. في حين أن هذه المرتبة التي أعطاها الله لك.. مرتبة تكليف لا تشريف!
“رياض” باستنكار:
– بالضبط.. أنا من هو مكلّف بلقمة العيش.. أنا من أسعى وأركض وأتعب خارج البيت.. وهي المسؤولة عما هو داخل البيت.. ما شأني أنا بالأولاد ومتابعتهم؟ ما شأني أنا بنوم هذه أو تطييب خاطرها؟ أو مداعبة هذا أو تشجيع نشاطه في المدرسة؟؟ هاه؟ هذا فوق طاقتي.. وهذا ليس شأني بالأساس..
“رزان” بامتعاض:
– كيف ليس من شأنك؟ أنتَ والدهم.. كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن…
قاطعها بحدة:
– حفظنا هذا الكلام والله.. وها أنا أقوم بدوري.. خليها تقوم بدورها وتكف تذمرها وملاحقاتها لي.. يكفيييييني عملي وانشغالاتي.. أنا أفعل هذا كله لمن؟ أليس لها وللأولاد؟ ألم يكن الرسول ﷺ منشغلاً بالدعوة.. وكانت السيدة خديجة (رضي الله عنها) هي المسؤولة عن تربية الأولاد؟
صمتت “رزان” وأطرقت رأسها تفكر..
هل حقاً لم يصلنا أي شيء عن معاملة الرسول ﷺ لأبنائه؟
🌸 🌸 🌸
حبيبي يا رسول الله..
يومياً يأتينا الكثير من الآباء المراجعين مع أبنائهم من الأطفال أو المراهقين..
وأكثر ما يدهشني.. عندما أطلب من أحدهم تعبئة بيانات ابنه أو ابنته لاستكمال إجراءات الدخول، وأجد علامات الزهايمر بادية على وجهه..!
منهم من يسأل ابنه.. عن عمره.. أو تاريخ ميلاده.. أو فصيلة دمه..
ومنهم من يضطر الاتصال بالأم.. ليسألها عن تلك التفاصيل!
المثير للحزن.. هو نظرة ذلك الطفل أو المراهق لوالده.. وكأنه نادم على أنه لم يأتِ مع أمه عوضاً عنه لكي لا يزعجه بهذه الأسئلة البديهية!
حقاً هل هناك آباء لا يعرفون شيئاً عن أبنائهم؟
حبيبي يا رسول الله..
وصلني اليوم مقطع فيديو على واتساب من صديقة.. المقطع لأحد المشايخ وهو يؤكد دور الوالد في الإنفاق فقط ولا علاقة له بالتربية، فهذا هو دور وواجب الأم فقط!
وأنا أشاهد الفيديو.. تذكرتك يا رسول الله..
تذكرت الصحابي الجليل الأنصاري: أسعد بن زُرارة (رضي الله عنه) .. الذي كان أول من قدم بالإسلام إلى المدينة قبل الهجرة.. وأول من أقام صلاة الجمعة فيها.. وأول من بايعك في بيعة العقبة الأولى والثانية..
ولم يدركك هذا الصحابي كثيراً بعد هجرتك إلى المدينة، فمات بعد أشهر قليلة وأنت تبني مسجدك الشريف..
لكن أسعد (رضي الله عنه) أوصى ببناته ليكنّ تحت جناحك وكفالتك ووصايتك..
وكن بناته صغاراً: “حبيبة”.. و”كبشة”.. و”الفارعة” (وقيل أنها فارعة أو فُرَيعة)..
رحمة الله على “أسعد”.. وما أسعد بناته الأيتام بعده بكفالتك لهن يا حبيب الله!
تكفلت بهن..
وكنت تزورهن وتطمئن عليهن وتسأل عن حاجتهن (عند أمهن الأرملة “عميرة بنت سهل” رضي الله عنها)
وتمر الأيام والسنوات.. وكان أن جاءتك بعض الحليّ من الذهب..
فخطر ببالك صغيراتك اللواتي كفلتهن.. فأرسلت إليهن.. تدعوهن..
وتناولت يدك الشريفة من بين الذهب .. ما حلّيت به بكل حب وحنان: “كبشة” و”حبيبة”..
أتخيلهما تتقافزان فرحاً وهما تتحليان ربما بالذهب لأول مرة في حياتهما!
حبيبي يا رسول الله..
ما الذي جعلك تتذكر هاتين الصغيرتين وسط انشغالاتك؟!
ما الذي خطر ببالك وأنتَ توزع الحلي.. فتنادي عليهما.. وتلبسهما منها؟
تؤم المسلمين.. وتحكم بينهم.. وتفتي لهم.. وتسأل عنهم.. وتشاورهم.. وتسعى في حاجة أهلك.. وتمشي في الأسواق.. وتدعو الأعراب لدينك.. وتعد العدة للغزوة القادمة.. و و و….
ويخطر ببالك فتاتين صغيرتين تحت كفالتك؟
فديتك يا من أرجو شفاعته.. ما أشفق قلبك على صغار أمتك!
وتمر الأيام.. وتبلغ صغيرتك “الفارعة”.. فيخطبها منك أحد الأنصار اسمه “نُبيط”..
وتحدثنا زوجتك أم المؤمنين “عائشة” رضي الله عنها بقصة زواجها..
إذ تطلب منها أن تجهز العروس بنفسها..
سيدة المدينة الأولى.. “عائشة بنت أبي بكر” (رضي الله عنها).. تتولى تزيين العروس لتُزفّ إلى زوجها..
وتذهب تلك الليلة.. ثم تعود.. وهي تعتقد أنها أتمّت مهمتها التي طلبتها منها على أكمل وجه..
لكنك الأب الحبيب.. الشفوق.. العطوف.. لم تنتهي مهمتك..
تسألها بلهفة: “ما قلتم؟”
هل زُفت ابنتك اليتيمة كما يجب؟ هل أدخلت زوجتك السرور إلى قلبها كما تحب؟
تسألها بتفاصيل ما فعلت.. ما قالت..
وزوجتك “عائشة” (رضي الله عنها) في دهشة من سؤالك: “سلّمنا ودعونا الله بالبركة وانصرفنا”!
أحقاً تبحث عن هذه التفاصيل يا رسول الله؟؟؟
أحقاً يشغل بالك كيف سار الزفاف؟
أبلغ بك حد الاهتمام بابنتك التي كفلتها.. أن تتابع بنفسك كل تفصيلة تخصها؟
وما أجمل عتابك لـ “عائش” (رضي الله عنها).. التي لم تزفها بالمستوى الذي رجوته..
فقلت لها: “إن الأنصار قوم يعجبهم الغزل”
وفي رواية أخرى: “إن الأنصار قوم يعجبهم اللهو”
وفي رواية أخرى: “فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟”
فتتساءل عائشة: “تقول ماذا؟”
فتوضح لها:
“تقول:
أتَيْناكم أَتَيْناكمْ فحَيُّونا نُحَيِّيكمْ
ولولا الذهبُ الأحمَرُ ما حلَّتْ بِوَادِيكمْ
ولولا الحَبَّةُ السَّمْرا ءُ لمْ تَسمَنْ عَذارِيكمْ”
ما هذا الجمال يا رسول الله؟
ما هذا الذوق الرفيع.. والحس المرهف؟
أهذا ما يجب أن تفعله الأبوة مع الأبناء؟
أهذه هي التفاصيل الصغيرة التي أحببت أن تنقلها للآباء من بعدك.. ليتخذوها منهجاً مع أبنائهم وبناتهم؟
أن يتابعوا معهم تفاصيل حياتهم؟
أن يلزموا مسؤولياتهم في رعايتهم والعناية بهم؟
ألا تشغلهم الدنيا عن توجيههم والاهتمام بهم؟
صلّى الله عليك يا علم الهدى
ما ناح طير في الغصون يميلُ
وتمر الأشهر..
ولا تنسى “الفارعة” أن ترسل إليكَ برضيعها الأول يحمله والده..
فتسميه “عبدالملك” وتدعو له بالبركة..
بل أنتَ الزيت المضئ بالبركة..
في سراج آباء المسلمين!
يتبع…
المصدر: فتح الباري شرح صحيح البخاري
سلام
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
حبيبي يا رسول الله ❤️
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.مقالة تؤكد واقعنا المعاش للاسف واللدي تقزم فيه دور الزوج ليصبح بطاقه ائتمان و صرف .ودوره في تكوين البيت من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية….لم يعد واجبا… اقرئي المزيد »
دموعي لم تتوقف اثناء قراءتي للمقالات جزاك الله خير وصل الله وسلم علي نبينا محمد
صحيح المرأة لا تحتاج لشعور سوى أن تشعر أنها بأمان وتطمئن للأيام القادمة
مبدعة دوما أستاذة خلود
كلمات
تمس واقع الحياة
واستنباطات دقيقة
مفهوم القوامة
مفهوم دور الزوج
مفاهيم كثيرة بحاجة لمراجعة وتصحيح
لتستقيم بيوتنا وتتألف ارواحنا
وفقك الله ورعاااك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاك الله خيرا أستاذة خلود، في كل مرة تتطرقين لشئ مختلف مقال اليوم جميل، اتسائل هل هناك رجال يقرئون هذا الكلام لكن انا ايضا اعتبر… اقرئي المزيد »
بوركت على هذا التعليق الغني
برنامج أمومة واعية لم يعد متوفر للأسف و شكرا
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. جزاك الله خيرا حبيبتي أستاذة خلود على هذه اللمحات والتفاصيل الرائعة التي تهفو إليها النفوس وتجبر بها القلوب.… اقرئي المزيد »