سامحني يا رسول الله
سامحني لأني لم أعرفك مسبقاً.. وعرفتك فقط بين أروقة هذا المستشفى..
هذه الآنسة اللطيفة.. آنسة الريسيبشن..
التي تطل علي في كل زيارة لي لكي آخذ جرعة الكيماوي.. عرفتني بك..
كانت تحدثني عنك..
وكأني أعرف الشخص الذي أعتنق دينه لأول مرة..
أنا “وتين“.. طالبة في المدرسة الدولية المشهورة..
أعرف الإنجليزية والفرنسية وشيئاً من الألمانية..
وأجد صعوبة في فهم العربية.. لأنني تعلمتُها بشكل خاطف في إحدى مراحلي الدراسية..
ولولا أنها كانت مادة إجبارية لما اهتممتُ أصلاً بأخذها ودراستها..
لكني للأسف لا أفهم القرآن.. وكلما قرأته وجدتُ حاجزاً نفسياً كبيراً بيني وبينه..
أستطيع أن أعبر عن نفسي بالإنجليزية أكثر.. لهذا أكتبُ لك بالإنجليزية..
وأسأل الله أن تكون هناك ملائكة تترجم لك بالعربية ما أكتبه الآن..
سامحني يا رسول الله لأنني لم أعرف الصلاة إلا في بعض حصص التربية الإسلامية..
لم يتابعني والداي.. ولم أجد صديقات يهتممن بها..
فكانت من آخر أولوياتي.. بل لم تكن من أولوياتي أصلاً..
أولوياتي كانت متابعة دروس البيانو.. المشاركة في الأندية الثقافية..
ومتابعة حسابات الفاشينستات اللواتي أعشقهن وأعشق تفاصيل حياتهن اليومية المبهجة!
بقيتُ حتى مرحلة الثانوية أصلي في بعض المناسبات مجاملة أمام الناس.. وربما في التراويح في رمضان..
حتى.. كانت المفاجأة المؤلمة لي ولأهلي.. عندما علمتُ أنني مصابة بسرطان الدم.. اللوكيميا..
يومها بكيتُ بحرقة.. وندبتُ حظي.. لماذا يا الله اخترتني؟ لماذا أنا دوناً عن كل الفتيات من سني؟ لماذا وأنا لازلتُ صغيرة.. في مقتبل عمري؟؟؟
مجيئي إلى هذا المستشفى كان أصعب تفاصيل حياتي..
مؤلم فوق الوصف…
لم أكن أريد رؤية هذه الوجوه التعيسة التي تحمل همّ المرض حولي..
لكن وجهها الوحيد الذي كان يؤنسني.. آنسة الريسيبشن..
بشوشة ضاحكة.. تطل علي إطلالات خاطفة.. جعلتني أنتظر زياراتها في كل مرة آتي هنا لآخذ الجرعة!
حدثتني عنك يا رسول الله.. حدثتني كثيييييراً..
وهي من أعارتني دفترها الأصفر لأقرأ منه يومياتها معك..
وأعجبتني الفكرة.. بل أحببتها..
واستأذنتها في أن أكتب بعض يومياتي معك قبل أن أعيده إليها.. فوافقت بسرور.
أممم.. لا أدري من أين أبدأ..
لكني أريد أن أبدأ من الكتاب الذي وجدته بجوار سريري في المستشفى عندما صحوتُ في الصباح الباكر..
كتاب اسمه “فاتتني صلاة”..
لم أعرف من وضعه هناك.. ولكني خمنتُ أنها آنسة الريسيبشن..
لأنها الوحيدة التي تعرف أنني لا أصلي.. عندما دعتني لأخذي إلى مسجد المستشفى.. فاعتذرتُ منها قائلة أنني لا أصلي لأنني مريضة ولأنني لا أفهم القرآن كثيراً..
صمتت.. لم تتحدث.. لكنها قالت لي برقة:
– من أحب الناس إليكِ يا “وتين”؟
فكرتُ.. وخجلتُ أن أجيبها.. لأنني أحب شاباً تعرفته على فيسبوك.. وأنا على تواصل معه منذ عامين.. ووعدني بالزواج بعد أن أنهي الثانوية..
لكني أجبتُها: صديقتي!
فقالت:
– لو كانت صديقتك على فراش الموت.. وتركت لكِ رسالة.. ماذا كنتِ فاعلة بهذه الرسالة؟
أصابني التوتر.. وأنا أتخيل الشخص الذي أحبه يموت.. ويترك لي مسج فيها آخر كلماته..
فأجبتها وأنا مرتعبة من الفكرة:
– لا قدر الله.. بالتأكيد سأحتفظ بها.. وأحفظ كلماته عن ظهر قلب.. وسأظل أرددها طوال حياتي!
هنا أجابتني آنسة الريسيبشين بابتسامة هادئة متجاهلة سقطة لساني عن هذا الحبيب وقالت:
– وكذلك آخر كلمات الرسول الحبيب ﷺ يا وتين قبل موته.. “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم” وظل يرددها ويتلجلج بها صدره وهو في سكرات الموت.. ورأسه على صدر أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها)..
إنه حتى ﷺ أرسل سلامه إليكِ..
هنا رفعتُ حاجبي بدهشة:
– من؟ أنا؟
قالت لي مؤكدة وهي تنسحب مغادرة:
– نعم.. قال لصحابته أن يُقرئوا منه السلام على كل من تبعه إلى يوم القيامة.. فإن كنتِ تتبعينه.. فهو يقرئك السلام!
وأطرقتُ برأسي.. وعقلي يردد صدى كلماتك يا رسول الله:
الصلاة الصلاة.. أقرئوا مني السلام..
الصلاة الصلاة.. أقرئوا مني السلام..
لولا أن انتهى شحن جوّالي ونسيتُ إحضار الشاحن من البيت لما بدأتُ في قراءة الكتاب..كان كتاباً سلساً عذباً.. يثير أغلب التساؤلات والأعذار التي دارت وتدور في رأسي حول التكاسل أو التخلي عن الصلاة!..
لكنني عندما قرأتُ هذه الجملة:
بدلاً أن نشغل ذهننا باختلاق الأعذار حتى لا نصلي، فالأفضل أن نشغل ذهننا باختلاق عوامل تعيننا على الصلاة
بكيتُ كثيراً..
هل ضاع عمري وأن أبحث عن أعذار للهروب؟ ولماذا لم أفكر يوماً بالبحث عن أسباب للالتزام؟؟
سامحني يا رسول الله..
لم أكن أعرف.. لم يخبرني أحد.. لم أبحث أصلاً..
كلماتك الأخيرة ترن في أذني مع كل أذان.. وأشعر بجبل هائل جاثم على صدري أحاول زحزحته في كل مرة أريد القيام لأتوضأ..
مرضي يزداد سوءاً كل يوم.. وأؤجل البدء كل يوم..
لكن سلامك لي.. يا حبيب الله.. مازال يتردد في حشاشة قلبي كالبلسم العذب..
هل أنا أتبعك.. حتى أستحق هذا السلام؟
سألتُ بعض المشايخ عن الصلوات التي فاتتني.. فأجابوني جميعهم بأن علي قضاءها..
يااااه.. تأخرتُ يا رسول الله..
لكن علي أن أستحق سلامك لي..
علي أن أتّبعك..
علي أن أصلي..!
🌸 🌸 🌸
انتفضت “رزان” ورفعت عينيها من الدفتر الأصفر.. مع صوت صرخات آتية من بوابة المستشفى..
على ما يبدو حادث سير شنيع.. ووصلت للتو سيارات الإسعاف..
طاقم الطوارئ يركض يمنة ويسرة.. في محاولة الإسراع لإنقاذ المصابين..
مر أمامها شاب يحمله طاقم الإسعاف وهو غارق في دمائه..
لا تكاد ترى وجهه.. جسده ينتفض ويبصق الدماء من فمه..
وخلفه امرأتين.. وعدة أطفال.. بإصابات بسيطة.. ويجرون أقدامهم خلفه..
شعرت “رزان” بالرعب لأول مرة.. وهي ترى الموت قريباً منها على عتبات المستشفى..
ترى.. هل سينجو هذا الشخص؟
ماذا كانت آخر كلماته في السيارة؟
سمعت إحدى المرأتين تبكي بهستيرية.. وتقول للمسعفين حولها:
– ابني لا يصلي.. ابني لا يصلي.. اااااه كم مرة قلتُ له.. صلّ قبل أن تموت! ياااالله لا تتركه يموت.. يااااالله سامحه ولا تأخذه الآن قبل أن يتوووووب!
وظلت كلماتها وصرخاتها ودموعها تعلو ثم خفتت تدريجياً وصوتها يبتعد بنهاية الرواق خلف المسعفين باتجاه قسم العمليات..
تجمدت “رزان” على كرسيها.. جسدها يرتجف.. تبتلع ريقها بصعوبة..
وصدى صرخات الآم تضرب كالمطارق خلايا عقلها:
– يااالله لا تأخذه الآن قبل أن يتووووب!
يتبع….
المصادر: https://www.withprophet.com/ar/ما-آخر-وصايا-رسول-الله-قبل-وفاته
اللهم ارزقنا الخشوع بالصلاه حتي لا تكون مجرد روتين نقوم به واغفر زلاتنا وتقصيرنا يارب
يااا الله.. موقف مررعب فعلا الان يرتجف جسمي بعد قراءة المقال
اللهم احسن عاقبتنا في الامور كلها
الله.. مؤثرررررة جدا… فعلا ماااقيمة كل مانلهث وراءه في الحياة حين نستقبل الموت… ماذا سنجد وراء الموت.. هل فعلا بنينا قصورا تنتظرنا لتعوضنا بالبهجة عن كل مفقود …أم ؟؟؟ ننتظر… اقرئي المزيد »
نستمتع بقراءة اليوميات في طريق العودة إلى الجنة، نسأل الله أن يجمعنا جميعاً تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله. أسلوب مشوق و يوميات واقعية
آللهم إنا نعوذ بك من موت الفجأة في ساعة الغفلة.. جزاك الله عنا خير الجزاء أستاذتي الحبيبة ❤️
أكملي
أنتظرك على أحر من الجمر ☕❤️♥️