حبيبي يا رسول الله
الحمدلله صرتُ أحافظ على الصلاة منذ ٩ أسابيع..
وأحاول قضاء الصلوات الفائتة قدر استطاعتي.. أصلي في كل وقت.. وأقيم الليل أحياناً بصلوات القضاء.. عل الله أن يغفر لي ويتقبل مني..
آنسة الريسبشن طلبت مني أن أحاول الكتابة لك باللغة العربية..
لأنها اللغة التي كرّمها الله عز وجل في كتابه العزيز..
لذا سأحاول أن أكتب لك.. وأنا على فراشي بالمستشفى لهذه الليلة.. واعذرني على ركاكة أسلوبي.. فهي محاولة متواضعة بعد سنوات من انقطاعي من هذه اللغة..
حبيبي يا رسول الله..
قبل قليل كنتُ أدعو وأبكي.. وقد فقدتُ الأمل من نفسي ومن حياتي..
كانت تأتيني وساوس كثيرة.. هل سأعيش؟ وإذا لم أعش.. فهل سيقبل الله توبتي؟
الألم مستمر يا رسول الله.. في كل ليلة أتقلب ولا أستطيع النوم رغم المسكنات..
تساقط كل شعر جسدي.. واضطررت لتغطية رأسي الخالي من الشعر!
أحياناً تأتيني نوبات من الخوف والهلع.. وأنا أتخيل الموت قادم على باب غرفتي..
ولكن لرحمة الله كانت آنسة الريسيبشن.. أتت لتطل علي في تلك الليلة إطلالتها المعتادة..
حاولت إضحاكي وإدخال السرور والأمل على قلبي..
لكنني كنتُ يائسة.. أشعر بأن الله غاضب مني لأنني قصرتُ في حقه طوال عمري..
فسألتني سؤالاً غريباً: ما أكثر ما أتمناه في تلك اللحظة..؟ ما أكثر ما أسأله الله الآن؟
فقلتُ لها بأنني أتمنى أن أنام بدون ألم..
أتمنى أن أمشي وأجري وأضحك.. بدون التفكير في كل الجلسات العلاجية التي تنتظرني..
أتمنى أن أستعيد رغبتي في التزين وارتداء الثياب الجميلة.. ومجالسة الناس..
بدلاً من نظرات العطف والشفقة!
أتمنى وأتمنى..
فسألتني.. ما أكثر ما أتمناه في الآخرة؟
فتوقف عقلي وفكرت.. وبيأس قلتُ لها:
– لا أتمنى أكثر من كوخ على عتبة الجنة.. ذنوبي كثيرة.. ولو تعلمين عنها لما جالستِني.. لذا أنا لا أستحق أكثر من كوخ صغير!
فابتسمت وقالت:
– أعجزتِ أن تكوني مثل عجوز بني إسرائيل؟
تعجبتُ من قولها.. فسألتُها: ومن هي عجوز بني إسرائيل؟
فسحبت كرسياً.. وحدثتني عن الأعرابي الذي جاءك يا رسول الله ﷺ فأكرمته.. ثم قلت له “ائتِنا“، فلما أتاك.. قلت له “سَلْ حاجتَكَ“..
ثم صمتت الآنسة.. وكأنها تترك لي فرصة لأفكر.. ما الذي سيطلبه هذا الأعرابي من نبي الأمة.. من رسول الله الكريم.. من أعظم الخلق..
ما الذي سيفعله أمام هذه الفرصة الذهبية التي لا يعوضها التاريخ: سَل حاجتك!
هل سيطلب منه دخول الجنة؟ هل سيطلب أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه؟ هل وهل؟
ثم تابعت الآنسة تحدثني عنك:
أن الأعرابي طلب ناقة يركبها.. وعنزات يحلبها أهله..
فكان ردك ﷺ عليه درساً لصحابتك (رضي الله عنهم أجمعين) عندما قلت:
“أعجَزْتُم أنْ تكونوا مِثْلَ عجوزِ بني إسرائيلَ؟”
وهنا لم أصبر وأعدتُ سؤالي عليها.. رغم الأوجاع المتزايدة في رأسي.. والغثيان في معدتي..
– ومن هي عجوز بني إسرائيل؟؟؟
فحدثتني الآنسة بالقصة:
لما سار سيدنا موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل من مصر.. ضلوا الطريق..
وسألهم سيدنا موسى (عليه السلام): ما هذا؟
فقال له علماؤهم أن نبيهم يوسف (عليه السلام) لما حضره الموت.. أخذ عليهم موثقاً من الله ألا يخرجوا من مصر، إلا أن ينقلوا عظامه معهم..
فتساءل سيدنا موسى (عليه السلام): فمن يعلم موضع قبر يوسف (عليه السلام)؟
فقالوا له أنه لا يعرف مكان قبره إلا عجوزاً من بني إسرائيل..
فأرسل إليها موسى يطلبها، فلما أتته.. طلب منها أن تدلّه على قبر يوسف (عليه السلام)..
فصمتت العجوز.. ثم نظرت لسيدنا موسى (عليه السلام) واشترطت عليه: حتى تعطيني حكمي!
فاستغرب سيدنا موسى.. وسألها: وما حُكمُك؟
فابتسمت وقالت: أن أكون معك في الجنة!
هنا..
ابتسمتُ يا رسول الله..
وفهمتُ مقصدك عندما قلت للأعرابي ولكل مسلم من بعده: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟؟
هذه العجوز التي فنى عمرها.. كان بإمكانها أن تطلب وتتدلل على نبي الله من خيرات الدنيا..
وكان بإمكان بني إسرائيل أن يلبسوها الحلل والذهب.. لقاء أن تدلهم على موضع القبر..
لكنها حسبتها بذكاء وخبرة العجائز..
ذكاء الزمان.. فالنبي يحتاجها.. وبنو إسرائيل يحتاجونها..
وذكاء المكان.. فهي أمام كليم الله.. نبي ذاك الزمان.. قوله وحي.. ووعده وحي!
ورغم أنك يا رسول الله قلت لنا أن موسى عليه السلام كره منها هذا الحكم..
إلا أن الله أوحى إليه (وهو أكرم الأكرمين): أن أعطِها حُكمَها!
فانطلَقَتْ بهم إلى بُحيرةٍ.. موضِعِ مُستنقَعِ ماءٍ فقالت: أنضِبوا هذا الماءَ فأنضَبوه..
فقالتِ: احتَفِروا فاحتَفَروا فاستخرَجوا عِظامَ يوسُفَ..
فلمَّا أقلُّوها إلى الأرضِ وإذا الطَّريقُ مِثْلُ ضوءِ النَّهارِ”.
(أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه
وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه)
ثم تركتني آنسة الريسبشن مع سؤالها:
– فهل عجزتِ أن تكوني مثل عجوز بني إسرائيل؟ تصبحين على خير يا وتين 😃
حبيبي يا رسول الله..
هذا السؤال ظل يتردد طوال الليل في رأسي..
وأنا أصلي وأسلم عليك..
عليكَ الصلاة والسلام.. عليك الصلاة والسلام.. عليك الصلاة والسلام..
وأتخيلك تسألني حاجتي..
أتخيلك تقول لي: ما حاجتك يا “وتين”؟
ورغم الألم الذي يزحف على جسدي..
ورغم أنفاسي الجاثمة على صدري..
ورغم برودة أوصالي.. وارتعاشة أطرافي..
إلا أنني أطلب مرافقتك يا رسول الله..
أطلب الفردوس الأعلى..
نعم ذنوبي كثيرة..
ضيعت الصلوات.. عققت والدي.. أحببتُ في الحرام.. أسرفت في الغيبة والنميمة.. تبرجت أمام الرجال..
أضعتُ جل أوقاتي كما تفعل أغلب الفتيات في سني..
لكني في لحظات ضعفي هذه..
في لحظات وحدتي.. وأنا أحملق في جدران حجرة المستشفى..
بدأتُ أستأنس بصحبة نفسي.. لأول مرة!
ياااااه..
كم أبعدني جوّالي عن نفسي..
كم أشغلتني الفاشينستات.. عن التأمل في روحي الحقيقية.. بعيداً عن ضجيجهم الدنيوي!
تذكرت أجمل لحظاتي وأنا جنين في بطن أمي..
تذكرت السلام والطمأنينة التي كنتُ فيها..
لا كدر.. ولا تعب.. ولا هموم.. ولا أحزان..
لا لا.. بل هناك لحظة أجمل كنتُ قبلها.. من لدن سيدنا آدم (عليه السلام)
في الجنة التي سكنها مع أمنا حواء..
ياااااه يا رسول الله..
لقد كان مكاني ومكاننا كلنا هناك.. فما الذي نفعله نحن هنا؟
حبيبي يا رسول الله..
قبل ساعة كنتُ أرجو أن أمشي وأضحك..
قبل ساعة كنتُ أتمنى أن أضع المكياج وآخذ سيلفي..
قبل ساعة كنتُ أهفو أن أشرب شربة ماء هانئة.. أو أحصل على نومة هادئة..
لكني الآن يا رسول الله.. أرجو أن أعود..
أرجو أن أعود لمكاني الذي كنتُ فيه..
مكاني ليس هنا..
مكاني ليس بين هذه الجدران.. ولا بين جنبات هذا المرض..
مكاني عندك.. في الفردوس الأعلى..
نعم.. أطمع أن أكون مثل عجوز بني إسرائيل..
التي سألت مرافقة نبيّها موسى في الجنة.. وهي تعلم أن الأنبياء بأعلى منازل الجنة..
ها أنا لم أعجز كما عجز الأعرابي..
ها أنا أسألك كما سألت موسى العجوز..
ها أنا أرجو.. وأدعو.. وأتمنى.. أن يجعل ثواب ابتلائي بمرضي هذا مرافقتك في الجنة..
يااااالله يا رسول الله..
بحق محبتي لك بعد كل ما قرأته عن سيرتك..
بحق توبتي التي تبتُها… بعدما علمتُ عن سنتك..
بحق حديثي لأمي.. وصديقاتي.. وكل من أعرفه عنك..
بحق صلاتي وسلامي عليكَ يا حبيب الله..
فداك أبي وأمي يا رسول الله..
أسألك مرافقتك في الجنة..
وأتعاهدك أني لن أعجز.. لن أعجز..
وسأسأل الله كل ليلة..
كل ليلة!
🌸 🌸 🌸
وصلت إلى هذه الجملة “رزان”.. وتحسست الصفحة المبقّعة بالدموع..
ثم قلبت الصفحة..
فقرأت فيها عدة كلمات انفطر لها قلبها:
“حبيبي يا رسول الله..
بعد غيبوبة طويلة لأسابيع..
وتين الآن.. في جوار ربها..
وأسأل الله أنه تقبل عودتها..
وأنها الآن رفيقتك في الجنة!”
وأجهشت “رزان” بالبكاء.
يتبع…
أسلوبك رائع ومؤثر ارجوان تؤلفي كتابا يحكي لنا عن رسولنا وكيف كان يعامل الآخرين بأسلوبك الرائع
السلام عليكم شكرا على هذا المقال الأكثر من رائع.. أصبحت ادمن هته المدونة خاصة مع سلسلة الحلقات مع الرسول صلى الله عليه وسلم اكتشفت معلومات كنت اجهلها. أردت الليلة فقط… اقرئي المزيد »
لا اله الا الله سبحانك اللهم و بحمدك ….انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء…. ……سل تعطى…..اكرم الاكرمين اللهم انا نسألك الفردوس الاعلى و مرافقة حبيبنا محمد صلى… اقرئي المزيد »
وين احصل الجزء الثاني؟ مكتوب يتبع!!!