- لو سمحتِ أحتاج لمراجعة الطبيبة النسائية بشكل عاجل..
رفعت “رزان” رأسها لصاحبة الصوت، وفوجئت أنها صديقتها “رغد” التي لم ترها منذ شهور، رحّبت بها بحفاوة وبعد تبادل ترحيبات ومجاملات سريعة، لاحظت بطنها المتكوّرة، ونظرت لها متسائلة:
- ما شاء الله بأي شهر عزيزتي رغد؟
أجابت صديقتها بابتسامة متعبة:
- الحمدلله بالتاسع، أعد الأيام للولادة كما ترين!
مشيت معها رزان لتوصلها إلى العيادات النسائية، وسألتها مستغربة:
- لكن.. أليس من الغريب أن تأتي لوحدك وأنتِ في هذا الوضع؟
مطت شفتيها وردت عليها بزفرة حارة:
- أخ يا رزان.. تعرفين أبا أحمد، منذ أن تزوجته وهو يسافر كل فترة مع أصدقائه في كل إجازاته من العمل، يتركني بالأيام وأحياناً بالأسابيع ليقوم باستجماماته شبه السنوية مستغلاً كل إجازة. ومهما رجوته ليقضي إجازاته معنا أو على الأقل ليأخذني مرة سياحة معه، يتحجج بقوله: وقرن في بيوتكن!
اييييه.. نحن أيضاً بشر.. نحتاج إلى متنفس ومهرب من ضغوطات الحياة التي لا تنتهي..
تركت الأولاد عند حماتي، واضطررت لطلب سيارة أجرة لتوصلني. أنا أعاني الحمل وضغوطات الأولاد، وحضرته يذهب ينبسط ويلف البلاد.. أي عدل هذا؟؟ هل هذا من الدين؟؟؟؟؟؟
هزت رزان رأسها متعاطفة معها.. لكنها لم تعرف كيف تجيبها.. وأجلستها في أقرب مقعد انتظار متمنية لها السلامة.. وعادت لمكانها ونفس السؤال يدور بعقلها:
هل هذا من الدين؟
🌸 🌸 🌸
حبيبي يا رسول الله..
أشعر بسعادة بالغة اليوم.. لأن زوجي الحبيب اتصل بي ليأخذني بعد دوامي تلبية لدعوة صديقه وزوجته..
مصدر سعادتي ليس هذه الدعوة..
ولكن الحديث الذي دار بيني وبين زوجي في السيارة.. عندما عرفت أخيراً سر إصراره الدائم على أن يأخذني معه في كل زياراته لأصدقائه المتزوجين..
والسر هو أنتَ يا رسول الله..
نعم أنتَ.. لأنك خير من نقتدي به.. وخير من نتمثل بهديه صلى الله عليك وسلم..
حدثني اليوم زوجي بموقف جميل لم أكن أعرفه عنك.. وكان هذا الموقف سبباً لكي يقتدي بك في تعامله معي..
ما أجمل هذه العلاقة عندما تكون لله وفي الله.. وعلى سنة رسول الله!
حدثني عن جارك الفارسي.. الذي كان يصنع مرقاً طيباً.. إنه شيف ممتاز على ما يبدو 😃..
فصنع لك من يديه يوماً.. ثم جاءك يدعوك لبيته لتناول مرقته التي خصصها لك..
فأشرت لزوجتك الحبيبة.. السيدة عائشة (رضي الله عنها) قائلاً له: وهذه؟
وكأنك تسأله.. هل ستدعوني مع زوجتي أيضاً أم لا؟
فكان رد جارك لك أن لا.. بمعنى أنه يريد أن يدعوك لوحدك فقط..
فرفضتَ دعوته بلطف قائلاً: لا..
هكذا ببساطة.. رفضت دعوة جارك.. لأنها لم تشمل زوجتك الحبيبة معك..
كرهت اختصاصك بالطعام من دونها..
كرهت الذهاب لجار حسن الصيت في المرق.. وأنت تتركها خلفك تشتهي الطعام الذي تتناوله بدونها!
المثير للدهشة.. أن جارك عاد فدعاك مرة أخرى.. وسألته نفس السؤال: وهذه؟
فنفى هو.. فرفضت أنت..!
وجاءك الجار مرة ثالثة.. ليدعوك للمرة الثالثة.. وأنتَ تسأله نفس السؤال للمرة الثالثة:
وهذه؟!
وهذه يا جارنا؟
وزوجتي أم المؤمنين هذه.. ألا تشملها الدعوة معي؟
فكان جوابه هذه المرة بـ نعم..
وهنا..
تدافعت أنت وزوجتك عائشة الحبيبة (رضي الله عنها) لتلبية الدعوة..
أتخيلك أنت تسبقها وهي تسبقك.. وهكذا تتبادلان الضحك والمرح.. حتى أتيتما منزل الجار!
بكل عفوية وبساطة وبراءة الأزواج.. تلاعب زوجتك وتتدافع معها على الباب وفي الطريق..
وأنت الرسول الكريم.. خير من وطئ الثرى.. سيد العالمين وسيد الثقلين..
تتواضع وتلاعب وتسابق زوجتك بكل حب!
ما أجملها وأرقها وأعذبها من أخلاق..!
ما أرحم قلبك.. وحرصك على مشاعر زوجتك.. فلا تريد تلبية الدعوة بدونها..!
ما أرقاه من موقف.. تعلمنا فيه نحن البشرية جمعاء..
والأزواج على وجه الخصوص..
حق العشرة.. وحق المصاحبة.. وحق المجالسة..
نص الحديث في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
أنَّ جَارًا لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كانَ طَيِّبَ المَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقالَ: وَهذِه؟ لِعَائِشَةَ، فَقالَ: لَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَهذِه؟ قالَ: لَا، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَهذِه؟ قالَ: نَعَمْ في الثَّالِثَةِ، فَقَاما يَتَدَافَعَانِ حتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ.
أتدري يا رسول الله؟
إنني أعتبر نفسي محظوظة بين الكثير من الزوجات..
اللواتي يبخل عليهن أزواجهن بحضور الولائم أو العزائم.. ويستفردون بها..
لكنهم لا يترددون في أن يثقلوا كواهل زوجاتهم بعزائم وولائم يقدمونها لهؤلاء الأصدقاء والأصحاب!
أعرف الكثيرات من حولي.. يتذمرن باستمرار من مطالبات أزواجهن لإعداد الولائم إكراماً للضيف..
لكن ولا واحدة منهن.. ذكرت لي أن زوجها يصر على أخذها خصيصاً.. تلبية لدعوة صديقه.. من باب أنه يقتدي بنبيه ورسوله وسيد البشرية جمعاء: أنت يا رسول الله!
في أيامنا هذه.. اقتداء الأزواج بسنتك في الحياة الزوجية.. مقتصر على أمور محددة جداً..
جداً..
وكأن بعضهم يختارون ما يتوافق مع أهواءهم وأمزجتهم من سنتك..
ويتغافلون أو يتجاهلون أياماً وشهوراً وسنوات من مواقف حسن خلقك وطيب معشرك مع أزواجك..
حتى قيل لعائشة (رضي الله عنها) كيف كان خلقك (يا رسول الله) معهن؟
فأجابت تتحدث عنك:
“كان أحسَنَ الناسِ خُلُقًا، لم يَكنْ فاحِشًا، ولا مُتَفَحِّشًا، ولا سَخَّابًا بالأسواقِ، ولا يُجزِئُ بالسَّيِّئةِ مِثلَها، ولكِنْ يَعفو ويَصفَحُ”
حبيبي يا رسول الله..
ونحن في طريقنا لتلبية الدعوة.. فاجأني زوجي أيضاً.. بأنه سيأخذني في رحلة سياحية بعيدة عن الأطفال.. لمدة أسبوع..
ولما شعرت بالقلق.. ماذا سيفعل الأطفال بدوني؟
أجابني بأنه يمكن تدبيرهم.. يمكن إيجاد طريقة لإشغالهم..
المهم أن نقضي الوقت معاً..
أتدري من تذكرتُ وقتها يا رسول الله؟
تذكرتُك أنت.. في أسفارك.. التي تتجه بها إلى غزواتك..
تذكرتُ أنك في كل مرة تقترع وتأخذ بعض أزواجك في هذه الأسفار..
ورغم أن بعضها يكون بهدف الغزو والحرب.. إلا أنك تصر على أن تأخذ بعضهن معك بالقرعة..
ولو كانت لديك زوجة واحدة..
لأخذت هذه الواحدة في كل أسفارك..
أهذه سنتك يا رسول الله؟
حقاً؟
قد يأتيني خاطر: ربما تأخذهن لأنه ليس لديهن أولاد ينشغلن بهن..
وهي الحجة الأبدية لأزواج اليوم: اجلسي مع أولادك.. من سيرعى أولادك؟!
ورغم ذلك.. كانت زوجتك أم سلمة (رضي الله عنها) معك في صلح الحديبية.. وهي التي كان لديها أولاد.. منهم رضيعة كانت ترضعها وقت زواجك بها..
لكن ذلك لم يكن حجة لك لتتركها بعد أن وقعت القرعة عليها.. بل أخذتها معك لترافقك..
وكانت مشورتها عليك بالتحلل من الإحرام بعد تردد الصحابة خيراً للصحابة والأمة جمعاء!
ولا أنسى عائشة (رضي الله عنها) وقصصها مع القلائد التي تسقط منها في رحلاتها معك..
تضطر لاستدانتها من صويحباتها.. لتتزين لك بها في هذه الأسفار..
فينقطع عقدها ليلاً في إحدى الرحلات.. فتنشغل معها بالبحث عنه طوال الليل حتى يطلع الصباح وجيشك دون ماء..
فيشرع التيمم لأمتك!
ويضيع عقدها (الذي تسلفته لتتزين لك) في رحلة أخرى.. فتتأخر عن الجيش..
وتكون حادثة الإفك..
فتنزل آيات تبرئتها من الإفك ويشرع حد الزنا..
يا لبركة أمنا عائشة (رضي الله عنها)!
العجيب..
أنها رحلات شاااااقة.. ومسيرات لأيام وأسابيع.. وربما شهور..
لكنك لم تقل لزوجاتك يوماً: لا حاجة لـ “البهدلة”.. هذه مشاق لن تتحملنها.. اجلسن وقرن في بيوتكن!
بل كنت تأخذهن..
وكانت من تأتي معك.. تأتي وهي كأجمل ما يكون.. في زينتها..
لا تنسى أنوثتها.. حتى وسط كل هذه المشاق..!
إنه حسن خلقك وطيب معشرك.. الذي دفع عائشة (رضي الله عنها) وغيرها من زوجاتك.. ليتزينّ لك في هذه الرحلات..
إصرارك واهتمامك بأن يرافقنك.. ولا تتركهن خلفك فيستوحشن دونك..!
وحتى اهتمامك بهن.. وتحسس حاجاتهن.. ومسامرتهن ليلاً.. هو ما جعلهن يسعين للتزين والتجمل لك.. حتى في أصعب السفرات..
كم هو صعب.. أن تتزين المرأة وسط الصحراء الغبراء..
لكن لأجل عين.. تكرم مدينة..
ولأجل الحبيب.. الذي تطيب معه العشرة ويحلو لديه السمر.. تتزين الزوجة..
تماماً كما فعلتَ أنتَ… مع صاحبك الكريم عثمان بن مظعون.. زوج خولة بنت حكيم (رضي الله عنهما)..
عندما ترددت خولة على السيدة عائشة (رضي الله عنهما).. فكانت “باذة الهيئة”
فأثار عدم اهتمامها بنفسها وثيابها ريبة واستغراب السيدة عائشة (رضي الله عنها)..
وعجبي لنباهة أمنا عائشة (رضي الله عنها)!
كيف تدرك مباشرة – وهي الأنثى الرقيقة – معنى إهمال امرأة أخرى لنفسها وأنوثتها!
فتسألها..
ما بالك؟ لم أنتِ هكذا مغبرة منكوشة فاقدة لاهتمامك بنفسك؟
فأجابتها بأن زوجها (الصحابي عثمان بن مظعون رضي الله عنه) يقيم الليل ويصوم النهار..
أي أنه لا حاجة له بها..
فما عادت تهتم بنفسها كما تهتم النساء!
فساااارعت وذكرت لك زوجتك عائشة ما سمعته من خولة..
فما كان منك إلا أن طلبت زوجها ليأتيك على الفور..
نعم.. الأمر خطييير..
هذه امرأة من نساء المسلمين.. أهملها زوجها وأهمل حاجاتها.. باسم الدين والإكثار من العبادات..!
الأمر خطييير.. لا يحتمل السكوت عليه.. لأنها زوجة.. في حصن الإسلام.. الواجب والأصل إعفافها!!
فجاءك من فوره فقلت له:
“يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك فيّ أسوة ؟ فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا”
هكذا ببساطة تأمره بأن يقتدي بك..
الدين يا عثمان ليس بدين عندما تضيع من تعول..
ليس بدين عندما لا تعف من هي عانية (أسيرة) لديك..
خوفك وخشيتك وحفظك لحدود الله الأولى به زوجتك وشريكة حياتك..
فما كانت تأتي خولة لعائشة.. إلا وهي في أحسن هيئة!!!
يا الله!
لله در صحابتك يا رسول الله عندما يستمعون لقولك فيسارعون لاتباعك والاقتداء بك!
تأتيها بأحسن هيئاتها..
فكانت مرآة لمعاملة أنيسها وشريكها وحبيبها وزوجها..
لأن زوجها (الصحابي رضي الله عنها) فقه أمر دينه وعباداته.. وأدى حق الله في زوجته..
كما يحب رسوله ويرضاه لنساء أمته..
ما أعظمك.. ما أحلمك.. ما أجمل سنتك.. وما أحلى الحياة عندما تكون على نهجك..
صلى الله عليك.. وسلم تسليماً كثيراً.
🌸 🌸 🌸
بعد عدة أسابيع..
اختارت “رزان” باقة ورد جميلة من محل الورود.. وكتبت على البطاقة المخصصة للباقة:
“حمدلله على السلامة غاليتي رغد.. بورك لك الموهوب وشكرتِ الواهب.. وبلغك أشده ورزقك بره”
“هذه هدية بسيطة مني لك.. يمكنك المشاركة في قراءتها مع زوجك الكريم”
دفعت ثمن الباقة وشكرت البائع..
وركبت سيارتها متجهة إلى بيت صديقتها.. وهي تتحسس الكتاب الهدية المغلف بجوار الباقة.. ويحمل عنوان:
“الشمائل المحمدية”
يتبع..
المصادر:
https://www.dorar.net/hadith/sharh/16949
https://al-maktaba.org/book/32900/6287
http://almeshkat.com/vb/showthread.php?t=95703
اشكر الله لانه سخركي في طريقي لتصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة
جميييييل جدا.. ياليت الأزواج يقرؤون هذا ويشعرون به.. آللهم صل وسلم وبارك على نبينا نبي الهدى والرحمة وطيب الأخلاق .. القصة التي في صحيح مسلم عجيب ألا نسمعها ولا من… اقرئي المزيد »
يالله ما احوج الازواج في هذا الزمان لان يفهموا دينهم بشكل صحيح ويفهموا سنة نبيهم ويقتدوا به المصيبة ان شيوخنا في هذا الزمان لايذكرون مثل هذه القصص والاحداث فقط يذكرون… اقرئي المزيد »
رااااائعة أنت
لا فُض فوك
زادك الله علماً وفقهاً
وأصلح أزواج المسلمين
آمين واصلح شيوخ المسلمين ليذكروا الازواج بمثل هذه الاحداث من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام